عاد مصطلح الحرب المقدسة من جديد، بعد عشرات القرون من الزمان، مع دخول القوات العسكرية الروسية إلى الأراضي السورية للمشاركة في الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد على معارضيه. وقام قساوسة الكنيسة الكاثوليكية الروسية بمباركة الجنود والمعدات العسكرية إيذانًا ببدء الحرب التي وصفوها بالمقدسة في سوريا. وأعربت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الأربعاء الماضي عن دعمها قرار موسكو شنّ غارات جوية في سوريا ضد تنظيم "داعش"، ووصفت هذا التدخل ب"المعركة المقدسة". ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن رئيس قسم الشؤون العامة فسيفولود تشابلن أن "القتال ضد الإرهاب هو معركة مقدسة اليوم، وربما تكون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتله". وأعاد هذا التعبير إلى الأذهان الحروب المقدسة التي كان الغرب يخوضها بتحريض من باباوات الكنيسة الكاثوليكية واستجابة لدعوة من الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية الشرقية في القرن الحادي عشر, بهدف السيطرة علي الأراضي المقدسة التي كانت تحت سيطرة المسلمين ومنع توسع المسلمين السلاجقة في الأناضول. وبدأت أولي الحملات الصليبية التمهيدية تحت أسم" حملة الفقراء بقيادة بطرس الناسك, وخلفت وراءها خرابًا ونهبًا في المجر والصرب واليونان وآسيا الصغرى، حتى أردتهم قوات السلاجقة الأتراك عام 1096 والذي شهد بداية التحرك العسكري نحو القسطنطينية. وانطلقت الحملة الصليبية الثانية عام 1147 وانتهت عام 1192. واشترك فيها ملوك أوربا، وأقاموا مملكة القدس، والتي تمتد حدودها الشرقية من قرب بيروت الحالية، ثم تتبع نهر الأردن حيث تتسع قليلا، وتتجه جنوبًا إلى خليج العقبة، وكانت عاصمتها القدس نفسها، حتى حررها صلاح الدين الأيوبي في موقعة حطين يوليو 1187. ثم انطلقت بعدها 9 حملات صليبية بدعوات من قبل الكنيسة الأرثوذوكسية خلفت الدمار الكبير كان أخرهم عام 1443 ضد الإمبراطورية العثمانية. وقال الدكتور عبدالحميد أبوطالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بالأزهر الشريف، وعضو مجمع البحوث الإسلامية إن "الحرب في سوريا هي حرب مقدسة بالفعل", إلا أن "مباركة الكنيسة الروسية لها لا تعني أنها حرب دينية وإنما هي حرب ضد التطرف الذي يؤذي الأديان جميعًا". وأضاف "الإجراءات التي تقوم بها "داعش" تسيء للإسلام جميعًا وتنفر الناس منه, وتكون سببًا في الخروج منه, بل أنها أوقفت بالفعل دخول العديد في لإسلام نتيجة لهذه التصرفات التي تقوم بهاد داعش، وتظهر أن الإسلام يبيح القتل والسبي وأموال الناس بالباطل, هو مما يشكل خطر على الأديان والعقائد". وأوضح أبوطالب أن "هناك فرقًا بين مباركة الكنيسة الروسية للحرب في سوريا وفكرة الحروب الصليبية التي قامت ضد المسلمين، لأنهم هنا يحاربون فئة ضالة مضلة, وجميع المسلمين ضدها لذلك يجب أن نقف مع كل من يحاربها". وتابع: "نحن كمسلمين نقاتل داعش في سيناء، والحرب في سيناء حرب مقدسة وكل من يقاتل ضد داعش في حرب مقدسة لأنه يحمي الإنسانية والإسلام ويعمل على بقاء الإسلام ونشره, لأن من دخل الإسلام كان بسبب أخلاقه التي تقوم داعش بتدميرها الآن مما أدت إلى كراهية العالم للمسلمين". فيما اعتبر صليب متى عضو المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية، وعضو الإتحاد العام للجمعيات الأهلية, أن ما قامت به الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من وصفها للحرب في سوريا بأنها حرب مقدسة "هو خطأ كبير وغير مسئول". وقال متى ل"المصريون"، إن "ما تقوم به روسيا من حملات عسكرية في سوريا هو من أجل الحفاظ على مصالحها في المنطقة مما يعني أن الحرب هي من أجل المصالح وليس من أجل الدين أو حرب طائفية مدعومة من الكنيسة". من جانبه، قال القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية إن "الكنيسة المصرية ليس لها موقف مما يحدث في سوريا، وإن هذه أمور سياسية لايمكن أن تتدخل الكنيسة فيها". وأوضح ل"المصريون" أن "الكنيسة تنادي بالسلام في جميع أرجاء العالم وتشدد على نشر العدل والاحترام في كل مكان". كانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت مطلع أكتوبر الجاري، أن طيرانها قام بأولى ضرباته في سوريا، وقالت إن الغارات استهدفت مواقع لتنظيم "داعش". في الوقت الذي تصر فيه الولاياتالمتحدة وعدد من حلفائها، على أن الضربات الجوية الروسية استهدفت مجاميع مناهضة لبشار الأسد، والجيش السوري الحر، ولاتتبع "داعش".