تنجح روسيا في فرض الأمرالواقع في سوريا. فرضت واقعا سياسيا طوال أربع سنوات ونصف السنة على أمريكا وحلفائها من الأوروبيين والعرب. وهى اليوم تفرض واقعا عسكريا على الأرض. وفي الحالتين فإن روسيا هى من تحرز النقاط وتحقق النجاح. في الواقع السياسي فإن موسكو وفرت حماية للأسد من المحاسبة الدولية داخل مجلس الأمن، أو أي محاسبة أخرى في الجنائية الدولية لأنها تمر عبر مجلس الأمن، استخدمت روسيا مع الصين الفيتو لأربع مرات ضد مشروعات قوانين كانت مخففة جدا لحماية حليفها الوحيد والقديم في المنطقة العربية. لم تستطع أمريكا ولا أوروبا ولا العواصم العربية الحريصة على دماء الشعب السوري ثني روسيا عن مواقفها ورفع حصانتها عن الأسد رغم المغريات والتدليل لها، لم تستجب لأحد، بل كانت ترد بشكل عملي بمزيد من الدعم السياسي والعسكري وتبني خطاب الأسد بأنه لايواجه معارضة حقيقية إنما جماعات مسلحة إرهابية، ولذلك استمر نظامه في ارتكاب كل أشكال الجرائم وهو في مأمن كامل من أي عقاب أو محاسبة دولية. أمام استراتيجية روسية واضحة في دعم وحماية الحليف السوري، وعدم الاعتبار للدماء، وعدم الاعتداد بقوى المعارضة والفئات الشعبية التي خرجت عليه، ولم تعد تريده، فإن الطرف الآخر أمريكا والحلفاء لم يكن لهم استراتيجية أو خطة واضحة سواء في الإطاحة بنظام الأسد، أو إجباره على الرحيل بالحل السياسي، مجرد تصريحات فقط بأن الأسد قاتل وفاقد للشرعية، مجرد كلام في الهواء، بينما هو يواصل تدمير كل قرية أو مدينة تخرج من قبضته، ويستهدف الأطفال والنساء والشيوخ بالبراميل المتفجرة، حتى على مستوى الجيش الحر الذي يفترض أن يكون حاميا للمدنيين في مواجهة جيش الأسد فإن الأمريكان منعوا طويلا تسليحه بالسلاح التقليدي، ومنعوا تماما تسليحه بالسلاح النوعي، ورفضوا تماما إقامة منطقة عازلة لحماية الجيش الحر والمدنيين الفارين من جحيم الأسد، وواصل الأمريكان هزلهم بأن دربوا 75 سوريا فقط، لم يجدوا بين ألوف السوريين الذين يقاتلون إلا 75 فقط، وعندما دفعت بهم لسوريا فإنهم إما سلموا أسلحتهم لجبهة النصرة، أو وقعوا أسرى في يديها. كان واضحا تخبط واشنطن في الأزمة السورية منذ بدايتها، وقد يئس العرب: قطر والسعودية تحديدا، وكذلك تركيا، من أي جدية أمريكية للقيام بأي دور لحماية الشعب، وتعديل الموازين على الأرض لدفع الأسد للتفاوض، ولما جاءت جريمة الكيماوي فإن أوباما تنصل من تعهده، وتهرب ولم يعاقب النظام الذي تجاوز الخط الأحمر الذي حدده بنفسه. جاء تنظيم داعش لينقذ أوباما من التحرك، أو فعل شيء، حيث وجد عدوا أهم من نظام دمشق يحاربه، وليته يحاربه بجدية، وهذا مايتندر عليه الروس حاليا عندما يقولون ماذا فعل الأمريكان طوال عام كامل من العمليات العسكرية تجاه داعش؟، فالتنظيم مازال يحتفظ بقوته. وفي خضم محاربة داعش لم يجد أوباما وقتا للنظر إلى انتهاكات النظام ومواصلة ارتكاب جرائم البراميل المتفجرة ضد المدنيين، بل جعل الأولوية هى محاربة تنظيم الدولة وتوجيه المعارضة للخلاص منه أولا حتى وجد نفسه اليوم أمام مبادرة روسية بتشكيل تحالف دولي واسع يكون الأسد جزءاً منه لحرب داعش، أي يجلس أوباما مع الأسد في نفس الخندق. وهنا جاء الروس في اللحظة المواتية ليفرضوا الواقع العسكري عبر القصف الجوي تحت عنوان محاربة داعش باعتبار أن الإمريكان يخفقون في حربه، أو يتلاعبون بتلك الورقة، وهم غير جادين فيها. الروس يستخدمون داعش غطاء لأهداف عديدة وكبيرة، منها ماذكرناه أمس بإعلان أنفسهم القطب العائد المنافس للقطب الأمريكي الذي لا يجب أن يكون أوحدا، والحفاظ على مصالحهم في سوريا، ومواصلة دعم وإسناد حليفهم وعدم سقوطه، فالضربات لاتستهدف داعش بالأساس، إنما المعارضة، والمدنيين، وقد يضربون بعض أهداف داعشية، وفي ذلك فائدة كبيرة لنظام الأسد حيث سيتمكن من السيطرة واستعادة الأراضي التي فقدها ويقوي مركزه العسكري حتى إذا ما جلس على مائدة تفاوض تكون ورقته رابحة، ويكون مجرد رحيله بعد مرحلة انتقالية صعبا، إذ من ضمن غياب رؤية غربية جادة وحاسمة تجاه سوريا عكس الروس أن الغرب تراجع من ضرورة رحيل الأسد أولا إلى بقائه لفترة انتقالية، بينما روسيا تمسكت ببقائه وعدم رحيله، ومع الواقع العسكري الجديد المفروض روسيا فإن بقاء الأسد سيستمر لما بعد أي مرحلة انتقالية. ماذا يفعل الأمريكان والغرب اليوم تجاه القصف الروسي ،لاشيء، غيرالطلب من بوتين أن يكتفي بضرب داعش، ولا يضرب المعارضة المعتدلة، لكن قيصر روسيا لايستمع لأحد منذ أكثر من أربع سنوات. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.