يكاد يقسم بعضنا أن الليبرالية ليست بالضرورة مرادفة للكفر, وأن الوطنية لا تقتصر على فصيل دون آخر, ويكاد يقسم آخرون أن الإسلامى وطنى ومتسامح ويتسع عقله وقلبه للجميع, لكن لا أحد يصدق أحدًا, لدرجة أن صحفيًا شهيرًا "إبراهيم عيسى" يُعلق على نتيجة الانتخابات بأنها نزيهة وحرة لكنها غير ديمقراطية! ويقول "علاء الأسوانى" أن الانتخابات مزورة ولو كانت نزيهة, ولا أعرف كيف تحتمل اللغة العربية هذا المعانى؟. ويردد غيرهم كلامًا مشابهًا ليل نهار.. وللانصاف يردد بعض الإسلاميين المتشددين مقولات من ضمنها أن الديمقراطية كفر, مع أنه يحتكم لآلياتها!, ويقول آخرون إن الليبرالية تعنى حرية الإجهاض والشذوذ والعرى, ويصف بعض العلمانيين والمتغربين أن الإسلاميين سيفرضون الحجاب فرضًا, ويُغلقون الشواطئ, وبأن الإسلاميين ظلاميون, وأن الآخرين هم المستنيرون وهكذا, فى مشهد مأساوى يدمع منه الوطن ويئن ويكاد أن ينزف دمًا. والشاهد أن كل فريق يستدعى للآخر أسوأ ما قد يكون فيه, وتساهم بعض النخبة فى تأجيج هذا الصراع, فهذا "إبراهيم عيسى" يستحث الإخوان على تشكيل الحكومة القادمة (قالها فى أكثر من مناسبة), ويتندر على الشعب بقوله إنه (لبس فى الحيط) لأنه اختار الإسلاميين, دون إدراك أن الوطن لا يحتمل الفشل, وإننا يجب أن نتكاتف ونساعد على النجاح وإن أتى هذا النجاح على يد من لا نحب لأنه فى النهاية سيكون مُنجزًا للوطن.. ربما نفهم أن طبيعة من اعتاد قول (لا) أنه لا يستطيع قول (نعم) ومن اكتسب شهرته من قول (لا) فإنه لا يُفضل أن يقول (نعم), لكن الانصاف يقتضى أن نقول نعم حينًا, وأن نقول لا حينًا آخر. إن حاجة الوطن لاجتياز المرحلة الانتقالية أهم كثيرًا من النظر إلى من فاز ومن لم يفز, فالوطن بحاجة لعبور نهر القلق إلى شاطئ الأمان, فكيف يرفض أحد ركوب قارب الانقاذ لأن سمت المراكبى لا يروق له, وخاصة إذا لم يكن قد اغتصب حق قيادة القارب!. إن مصر فى حالة سيولة هائلة وكأنها فى بحر متلاطم الأمواج, وقد تراضى الركاب أن يقترعوا فيما بينهم لاختيار من يقودهم فى هذه المرحلة, وأسفر الاقتراع عن اختيار رُبان ما, حينئذٍ لا يتصور عاقل أن يجدف أحد الركاب أو بعضهم فى الاتجاه المعاكس ليُعيق تقدم المركب ومسيره؟ ألم يكن غريبًا أن ليبراليًا "أسامة الغزالى حرب وغيره" فضّل إطالة حكم العسكر حتى لا يأتى المشهد الانتخابى بمن لا يحب, وأن قبطيًا "ساويرس وغيره" يستعدى الغرب على الوطن؟ فهل آن الأوان أن يساهم إعلام نزيه متجرد فى استقرار الأرض بعد اهتزازاتها, وتبقى الخلافات, لكن فى صورتها الصحية لا المرضية, ولكى يتحقق ذلك لابد أيضًا من جهد يُبذل لرأب الصدع, فالجزر المنعزلة وحالة التفكك المجتمعى, بحاجة ماسة إلى وقفة جادة من نُبلاء الوطن فيعقدون جلسات صلح ينتج عنها ميثاق شرف وطنى, نختلف نعم, نتحزب نعم, لكن يجمعنا الوطن, وتجمعنا سفينة إنقاذ واحدة فى اللحظة الراهنة نريد أن نجتاز بها إلى بر الأمان, هذا الدور نرشح له حكماء الوطن الذى لا يبتغون إلا الغايات الكبرى والنبيلة, ولعل مؤسسة الأزهر الشريف وهى محل إجماع وطنى تساهم فى ذلك, فقد فوض "ساويرس" شيخ الأزهر من قبل فيما يتعلق بشئون الأقباط, كما استقبل فضيلته فى مكتبه رموز الحركات الإسلامية, ووثيقة الأزهر حظيت بتوافق وطنى إسلامى وليبرالى ويساري, فلعل الأزهر أن يقوم بهذه المهمة ويدفع سفينة الوطن للمسير قُدمًا. مصطفى كمشيش [email protected]