تابعنا جميعا صور حشود المواطنين السوريين رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا وهم يهيمون على وجوههم بحثا عن "ملاذ آمن" من الحرب التي يشنها عليهم النظام الرافضي البعثي الاجرامي، وهم في بحثهم عن هذا الملاذ يقاسون أشد العذاب حتى يصلوا إليه، فمن تركيا التي تعد الدولة الأولى في إيواء أكبر عدد من اللاجئين السوريين يصل إلى نحو 2 مليون، وفرت لهم حكومة حزب العدالة والتنمية خدمات ومساعدات إنسانية وملاجىء وفرصا للعمل وتعليم أبنائهم، بل وأتاحت لهم العمل التجاري الذي يتميز به أهل الشام ، حتى أن الاحصائيات تشير إلى أن السوريين يحتلون المركز الأول في الاستثمارات الداخلية في تركيا، وساعد في ذلك انتشارهم في غالبية المدن التركية ولا سيما اسطنبول، حيث إن نحو 90 % من السوريين يقيمون داخل المدن ، بينما 10 % فقط يقمون في المخيمات. وفي ظروف إنسانية متفاوتة إلا أنها أقل في الرعاية والخدمات من تركيا، يتوزع نحو ثلاثة ملايين سوري آخرين ما بين لبنان والأردن، وبدرجة أقل في العراق والجزائر ومصر، وكانت الوجهة الأحدث كملاذ للسوريين هي إلى أوروبا، حيث غرق نحو 3 آلاف سوري في مياه البحر المتوسط في محاولتهم العبور إلى الشواطىء الأوروبية، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إعطاء الضوء الأخضر لاستقبال آلاف اللاجئين، وأعلنت المفوضية الأوروبية يوم الجمعة الماضي أن رئيسها جان كلود يونكر سيطرح الأسبوع القادم خطة موسعة لتوزيع عشرات آلاف طالبي اللجوء في دول الاتحاد وفق حصص سيتم تحديدها، وأوضحت متحدثة باسم المفوضية أن يونكر اقترح توزيع ما يصل إلى 160 ألف لاجئ موجودين في أراضي المجر واليونان وإيطاليا، في إطار حزمة إجراءات يقترحها على البرلمان الأوروبي الخميس القادم. وتعد ألمانيا هي الوجهة المفضلة للاجئين السوريين، وهم يتوجهون إليها فرارا من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اليونان والمجر، وقد زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مركزا للاجئين، في أول زيارة لها منذ بدء موجة الهجرة إلى ألمانيا، وصرحت بأنه بإمكان ألمانيا مواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين هذا العام، حتى أطلق عليها اللاجئون السورين (ماما ميركل)، كما أعلنت بريطانيا اعتزامها استقبال آلاف الاجئين، وكذلك فرنسا والنمسا. ولكن الغريب والمريب أن هذه الدول الأوربية الكبرى التي تفتح ذراعيها لاستقبال آلاف اللاجئين السوريين وتعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات تمهيد لإيوائهم وتوزيعهم، لم تبذل أي جهد في سبيل معالجة الأزمة السورية من جذورها، فالموقف الدولي الغربي بالأساس هو الذي أطال حبل الأزمة لتمتد إلى أكثر من خمسين شهرا عجافا، رغم أن إزاحة النظام السوري بالقوة العسكرية ليست بالأمر العسير ولن تكلف الخزانة الغربية دولارا ولا ماركا ولا فرنكا واحدا، لأن دول الخليج، ولاسيما السعودية وقطر، على استعداد لتمويل أي تحرك عسكري، وهو بالأساس عبر السلاح الجوي. لقد كانت الثورة السورية التي التحقت بثورات الربيع العربي ضحية تدبير غربي لجعلها أمثولة لسائر الشعوب العربية بحيث لا تفكر في انتقال هذا الفيروس الحميد إليها، فيروس الانتفاضة على الحكم الاستبدادي، لأن أوروبا تدرك جيدا أن العالم العربي الذي يجاورها جغرافيا إذا نعم بحياة ديمقراطية كنظيرتها في الغرب، فإن عودة التفوق العربي الاسلامي الحضاري على الغرب لن تكون بعيدة، وأسبانيا تلوح لهم في الأفق، لذا فإن الغرب يدعم الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي، وهي التي طالما لقيت الدعم من الدول الغربية، ولا تزال، فرغم تنديد كافة منظمات حقوق الانسان في الغرب بالانتهاكات الجسيمة للحريات وحقوق الانسان في سوريا ومصر، فإن النظام السوري لا يواجه من المسؤولين الغربيين إلا تصريحات سياسية، بينما النظام في مصر يلقى كل تأييد. ان الحكومات الغربية المتعاقبة قد تقبل المواطنين العرب والمسلمين (لاجئين) إليها من ظلم وجبروت الحكام الذين تدعمهم، ولكنها ليست على استعداد لتقبل بأن يكون هؤلاء (ثائرين) على أنظمتهم الاستبدادية التابعة لهم!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.