عارض اغتيال السادات.. وراجع «الشوقيين والناجون من النار» فى أفكارهم التكفيرية ودفع المئات منهم للانضمام للجماعة الإسلامية فقدت الحركة الإسلامية خلال الأسبوع الماضي، الدكتور عصام دربالة، أحد أهم مرجعياتها الفكرية، وأبرز رموز تيار الاعتدال والوسطية، الذي وضع على عاتقه مواجهة النزعات التكفيرية، وأخذ يجوب المحافظات لمكافحة انتشار أفكار وتوجهات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، قبل أن يتم اعتقاله، مع ذلك ظل حتى وفاته متمسكًا بمبادرة "الجماعة الإسلامية" لنبذ العنف والتي تخلت بموجبها عن رفع السلاح ضد الدولة. وتوفي دربالة رئيس مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" مساء السبت الماضي، داخل سجن العقرب بعد أن "منع العلاج عنه"، الأمر الذي فجر موجة غضب واسعة بين الإسلاميين، وسط اتهامات وجهها قادة الجماعة بالخارج، وفي مقدمتهم الدكتور طارق الزمر رئيس حزب "البناء والتنمية" للدولة ب "تعمدها قتل دربالة مع سبق الإصرار والترصد، في سجن العقرب بعدما منعت الداخلية العلاج عنه مدة أربعة شهور". وحظي دربالة الذي كان من المؤسسين ل "الجماعة الإسلامية" بحب وتقدير المنتمين للجماعة، وحتى من اختلف معهم في وجهات النظر، وليس أدل على ذلك من وجود كل من كرم زهدي رئيس مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" السابق، وخصم دربالة السياسي أمام سجن ليمان طرة، انتظارًا لخروج جثمانه. كما تواجد أيضًا عبود الزمر، عضو مجلس الشورى الذي تخللت علاقاته بدربالة، تباينات في وجهات نظر حول الموقف من الرئيس الأسبق محمد مرسي، إذ كان الأول يطالب بطي تلك الصفحة والمشاركة في انتخابات مجلس النواب، فيما كان يرى الثاني أن "دعم الجماعة ليس الشرعية ليس خاصًا بمرسي ولكن إدراكا منه أن الحرب هي على الإسلام وليس على الإخوان". ولعب دربالة دورًا مهمًا خلال تسعينيات القرن الماضي في مراجعات "الجماعة الإسلامية" بعد إعلان الجماعة عام 1997 لمبادرة وقف العنف، إذ أسهم بقوة في إصدار 4كتب تحت شعار "سلسلة تصحيح المفاهيم" (تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء)، (النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين)، (حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين)، (مبادرة وقف العنف رؤية واقعية ونظرة شرعية). وجاء ذلك على الرغم من تحفظه الشديد على أسلوب إدارة كل من كرم زهدي ونائبه الدكتور ناجح إبراهيم، والذي أدى لتغريب دربالة ورفيقه المهندس عاصم عبدالماجد لمدة عام في سجن المنيا لمدة عام عكف خلاله على إعداد بعض كتب المراجعات. غير أن تغريب دربالة في سجن المنيا العمومي لم يدفعه إلى تليين مواقفه من أساليب التفاوض مع الدولة والمكتسبات التي حققتها الجماعة من وراء المبادرة، إلى حد أنه اتهم جهاز "أمن الدولة" صراحة في حضور مندوبه العقيد مصطفي نور الدين في سجن "العقرب" عام 2005، بالتراجع عن تنفيذ وعوده والعمل على إضعاف الجماعة، إذ كان أهم ما يتسم به صموده وثباته ميزت مسيرته الطويلة سواء في الضيق أو الرخاء. وقال عبود الزمر، عضو مجلس شورى، إن "هذه الصفات كانت حاضرة وبقوة في شخصية دربالة؛ فالرجل المعروف بدفاعه عن قناعاته بشكل قوي كان معروفًا عنه قبول الآخر واحترام خصومه"، مشيرًا إلى أن "هناك مواقف عكست صمود دربالة خلال سنوات إغلاق السجون حيث مارست مصلحة السجون ضغوطًا شديدة على أبناء الجماعة الإسلامية والجهاد عقب عملية الهروب الكبير لمجموعة الشيخ عصام القمري، حيث جرى حرماننا من جميع حقوق، ما أدى لانخراط الجميع في إضراب عن الطعام، وكان دربالة أكثر ثباتًا وأسهمه ثابتة رغم ظروفه الشخصية القاسية في انتزاع حقوقنا في التريض والفسحة والزيارات وغيرها من الحقوق التي استطعنا انتزاعها بشكل قوي". وثمن الزمر ثبات دربالة خلال المراجعات الفكرية وتصمميه على انتزاع أكبر مكاسب ل "الجماعة الإسلامية" من وراء المبادرة، وتمسكه بحصول الجماعة على امتيازات في ممارسة الدعوة، فضلاً عن تصديها طوال تاريخها لنزعات التكفير والتشدد، وإلمامه بخطورة مثل هذه النزعات على المجتمعات الإسلامية. وقال إن "هذا الأمر ظهر بوضوح في قيادته حملة "لا للتكفير ولا للتفجير" ورفضه لقتل المتظاهرين السلميين، فضلاً عن أنه كان حريصًا ورغم فقده ليديه خلال أحداث 1981على قضاء احتياجاته الشخصية بنفسه وكان يقوم بغسل ملابسه بنفسه رافضًا توسلات أبناء الجماعة لمساعدته حتى إبان معاناته بسبب الحبس الانفرادي". ويروي القادة التاريخيون ل "الجماعة الإسلامية"، أن دربالة كان رافضًا لعملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات خلال استطلاع رأي مجلس شورى "تنظيم الجهاد"، الذي كان يضم قيادات "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد"، إذ كان يرى أن هذه العملية لن تحقق أهدافه كون التيار الإسلامي غير مستعد ولها بشكل يعرضه لمخاطر جمة، لكنه نزل في النهاية على رأي الأغلبية الساحقة التي كان يقودها زعيم الجهاد المهندس محمد عبدالسلام فرج. وأكد دربالة في تصريحات له بعد ثورة 25 يناير هذا الأمر، قائلاً: "عندما اجتمع مجلس الجماعة الإسلامية على عدم قتل السادات، ذهب الشيخ أسامة حافظ عضو مجلس شورى إلى القاهرة لكي يراجع الشيخ محمد عبد السلام فرج، مسئول مجموعة القاهرة وبعض المحافظات الأخرى لإخبار خالد الإسلامبولي لكي يوقف هذه العملية فلم يجد الشيخ عبد السلام في منزله فذهب إلى الإسلامبولي يبلغه بنفسه فوجده دخل المعسكر ولم يتمكن من مقابلته وإبلاغه فكان أمر الله". وحول علاقته بقادة "الجهاد" رغم ما تردد عن تباينات شديدة بين الطرفين خصوصًا بعد حل مجلس الشورى المشترك بين الجماعتين عام 1983، قال الدكتور أنور عكاشة القيادي الجهادي البارز إن "دربالة كان الوحيد تقريبًا من بين قادة الجماعة من كان يحرص على استمرار العلاقة ودية بين الجماعتين وتضييق الفجوة بينهما حتى أنه كان يراجعني كثيرًا عندما أوجه انتقادات لاذعة لأبناء الجهاد بالقول: يجب أن تكون حريصًا على إبقاء شعرة معاوية مع إخوانك وكان يرى أن الجماعة والجهاد ما هما إلا جماعة واحدة فرقت بينهما الخلافات". وكشف عكاشة عن دور مهم لعبه دربالة في مواجهة الفكر التكفيري خصوصًا في تسعينيات القرن الماضي خلال وجود تنظيم "الشوقيين" و"الناجون من النار" في السجون، قائلاً: "لعبت سعة أفقه ومرونته دورًا في دحض وتفنيد الأفكار التكفيرية التي يتبناه التنظيمان بشكل أسهم في انضمام المئات من التنظيمين للجماعة الإسلامية لاحقًا، بل أنه كان الوحيد الذي انخرط في حوارات مكثفة مع أمين عبدالله زعيم تنظيم "الناجون من النار" في محاولة للجم الآراء التكفيرية التي كان يتبناها". وقال خالد الزعفراني القيادي الإخواني المنشق، إن "تنظيم داعش هو المستفيد الأول من غياب دربالة، حيث سيجد فرصة ذهبية للانتشار والتمدد خصوصًا في صعيد مصر"، لافتًا إلى الحملة التي أطلقها دربالة بعنوان "لا للتكفير لا للتفجير"، والتي جاب خلالها محافظات الجمهورية لفضح الفكر التكفيري وساهم في التصدي لتمدد فكر "داعش". ووصف الزعفراني المقرب بشدة من رئيس مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، دربالة بأنه "كان رمزًا من رموز الفكر المعتدل والوسطي داخل الجماعة الإسلامية وكان يدعم بقوة المصالحة الوطنية في ظل طرح الجماعة الإسلامية عدة مبادرات للمصالحة بين الدولة والتيار الإسلامي الدعم للرئيس المعزول محمد مرسي". ورصد الدكتور صابر حارص، أستاذ الصحافة بكلية الآداب بجامعة سوهاج والمستشار الإعلامي السابق للجماعة الإسلامية 12محطة في مسيرة دربالة. وجاء على رأسها أن وفاة رئيس مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" في سجن العقرب ولم تصدر عليه أية أحكام، جدد له الحبس الاحتياطي خمس مرات في كل مرة 15يومًا "أي مات بريئًا" فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. وقال إنه حينما سألته عن فكرة الخلافة التي كانت تميز الجماعة الإسلامية في الثمانينيات فقال: مصر تعدل خلافة "لاحظ هنا وطنيته بمرجعية إسلامية". وحينما سأل دربالة عن الدولة التي يتمناها، فقال: دولة مدنية وليست علمانية وهو الموقف الذي تكرر عند توجيه السؤال عن تطبيق الشريعة فقال: إن حل مشكلات المواطنين وترسيخ العدالة والاهتمام بالعلم والتعليم وبناء الشباب هو تطبيق للشريعة، متابعًا سألته عن موقفه من القوى والتيارات السياسية فقال: الجماعة الإسلامية تمد يدها للجميع. وعندما وجه تساؤلاً لدربالة عن التفجير والعبوات الناسفة فقال: محرمة شرعًا ومجرمة قانونًا وألف كتيبًا بعنوان (لا للتفجير) وكتيبًا آخر "لا لقتل المتظاهرين السلميين) ولكن حاقديه روجوا للأخير وأخفوا الأول. وعند استطلاع رؤيته عن الأقباط، قال: "حزب البناء والتنمية يرحب بهم على قاعدة مبادئ الحزب". ورأى في تعليقه حول الأزمة التي كانت تعيشها مصر قبل 30 يونيو أنها "تحتاج إلى حل سياسي على قاعدة "الدولة المصرية أعلى وفوق أى جماعة مهما كانت قوتها". أما المحطة الأبرز كما يرويها حين باغت دربالة بسؤاله عن مقتل الرئيس السادات وهو المباغتة التي رد عليه دربالة بمفاجأة حين وصف السادات: أنه رجل دولة وقد اعتذرت الجماعة عن مقتله ونالت العقاب رغم رفض مجلس شوراها لقتل السادات وإرسال الشيخ أسامة حافظ لإبلاغ خالد الإسلامبولي بذلك ولكن اللقاء بين حافظ والإسلامبولي لم يتم.