هيمنت المخاوف من صعود الإسلاميين فى مصر على زيارة السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكى الحالية إلى مصر، التى تستغرق عدة أيام، والتى استهلها السبت بإجراء محادثات مع المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء، والدكتور محمد مرسى، رئيس حزب "الحرية والعدالة". وسعى كيرى للتعرف على وجهة نظر السلطة فى مصر بعد الفوز الساحق للإسلاميين خلال المرحلة الأولى من الانتخابات، وفى ظل التوقعات باستمرار هذا الصعود خلال المرحلتين التاليتين، القادمتين، وسبل تعاطى المجلس العسكرى مع هيمنة الإسلاميين على البرلمان القادم، وتداعياته على عملية تسليم السلطة للمدنيين. وقالت مصادر مطلعة ل "المصريون" إن المشير طنطاوى رد خلال اللقاء الذى جرى بحضور السفيرة الأمريكية آن باترسون بالتأكيد على احترام إرادة الشعب الذى عكسته صناديق الانتخاب وزاد بالتأكيد على التزام المجلس العسكرى بتسليم السلطة وفق الموعد المحدد. وكشفت المصادر ذاتها، أن كيرى حاول خلال المحادثات الضغط على القاهرة لانتزاع تعهدات مكتوبة من الإسلاميين باحترام اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل وعدم الإضرار بالمصالح الأمريكية فى مصر، لكنه لم يحصل على تعهدات بذلك. وهى المخاوف التى بددها حزب "الحرية والعدالة" فى بيان أصدره عقب محادثات أجراها الدكتور محمد مرسى رئيس الحزب مساء السبت مع السناتور الأمريكى- بحضور السفيرة الأمريكيةبالقاهرة والدكتور عصام العريان, نائب رئيس الحزب, والدكتور محمد سعد الكتاتنى الأمين العام- أكد فيها أن جماعة "الإخوان المسلمين" تحترم الاتفاقيات والمواثيق، التى تم توقيعها خصوصًا ما يتعلق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. واستبعد أن يقوم الحزب بإجراء تغييرات جذرية فى الدستور والقوانين الخاصة بالتعامل مع المستثمرين، مشيرا إلى أن هناك توافقا على نقاط أساسية فى الدستور القادم، أبرزها حقوق المواطنة، والحريات العامة، والحقوق المدنية، بينما هناك حاجة لإجراء تعديلات فى الباب الخامس المتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ونظام الحكم فى مصر. من جانبه، أكد كيرى أنه لم يتفاجأ بتقدم "الإخوان" للمشهد الانتخابى فى مصر، مشيرا إلى احترامه للإرادة الشعبية فى مصر.. ورحب بسماع هذه التعهدات من جانب قادة حزب "الحرية والعدالة"، داعيا كل القوى السياسية والحزبية فى مصر إلى العمل على اتخاذ آليات للنهوض بالوضع الاقتصادى المصرى بشكل عاجل بما يضمن استمرار التجربة الديمقراطية فى مصر. وقال الدكتور محمد سعد الكتاتنى ل "المصريون" إن زيارة كيرى تأتى فى إطار الزيارات التقليدية للدول التى تشهد تجارب ديمقراطية جديدة، خاصة أن حزب "الحرية والعدالة" وبعد تفوقه فى الجولة الأولى استطاع أن يلفت أنظار دول الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، مشيرا إلى محادثات مماثلة مع سفيرى بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى زيارة مرتقبة لسفير إسبانيا، فيما اعتبره يأتى كنوع من التواصل بين ممثلى هذه الدول والأحزاب السياسية فى مصر بعد الثورة خاصة ذات المرجعية الإسلامية منها. من جهته، أكد الدكتور عصام العريان أن اللقاء مع السيناتور الأمريكى جون كيرى استطاع أن يقف على المسائل الشائكة التى تمثل نقاط استفهام لدى الطرفين وحاول كل طرف الإجابة عنها وهو ما تحقق بالفعل- حسب قوله- فيما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية كامب ديفيد ومستقبل ورؤى الحزب لمثل تلك القضايا، ومسألة الصراع فى الشرق الأوسط. وأشار العريان إلى أن الحزب أرسل رسالة "طمأنة" للممثلين الغربيين وعلى رأسهم كيرى والسفيرة الأمريكية بأن الحزب والشعوب العربية ترغب فى تحقيق السلام الحقيقى فى المنطقة، مستبعدا أى تصادم قد يحدث فى المستقبل فى الداخل والخارج. وذكر أنه خلال اللقاء جرى مطالبة السيناتور الأمريكى بوقف عمليات الاستيطان التى تتم يوميا فى القدسالمحتلة مع إعطاء الفرصة كاملة لكل الأطراف المتنازعة وتغيير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل والمنطقة العربية ككل. وقال العريان إن كيرى أعرب عن دهشته لما سماه بالتجربة الديمقراطية الجديدة، والتى تمثلت فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية بعد الثورة، والتى تمهد لانتقال سلمى مدنى للسلطة. واعتبر الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب"الأهرام"، أن الزيارة تأتى فى إطار رصد واشنطن المتوالى للأحداث الجديدة والمتغيرة بالمنطقة والوقوف على أهم القضايا التى تتصدر المشهد السياسى هناك خاصة بعد ثورات "الربيع العربى" التى أطاحت بالأنظمة الحاكمة القمعية. ووصف زيارة السيناتور الأمريكى بالذكية لكون واشنطن اعتادت دائما زيارة الحزب ذى الأغلبية، والتى تنطلق منها للتحاور مع القوى السياسية الأخرى.. وأشار إلى أنها لن تقتصر على "الحرية والعدالة" فقط بل تخللتها زيارات أخرى لأحزاب ليبرالية من بينها "المصريين الأحرار". من ناحيته، تحدث السفير الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة عن تباين فى الموقف الأمريكى من مصر، إذ إن هناك اتجاها يرحب بصعود الإسلاميين والآخر خفى يسعى لوقف المد الإسلامى. واتهم الأشعل واشنطن بأنها تسعى لإيقاع الفتنة بين المجلس العسكرى والإسلاميين، والعمل على انتزاع تنازلات من الطرفين تضر بمصالح مصر.. ولم يخف استياءه من الدور الأمريكى فى ضرب استقرار مصر ومحاولة إشعال موجة من الاضطرابات سواء عبر إدخال أموال أمريكية لدعم تيارات بعينها ومرشحين لانتخابات مجلس الشعب والرئاسة، أو دعم محاولات الاضطراب الأمنى كما حدث فى نوفمبر الماضى. وأكد الأشعل أن واشنطن ستقف مع المجلس العسكرى فى حال دخل فى صراع مع الإسلاميين الذين سيرفضون بشدة تقديم أى تنازلات فيما يتعلق بموقفهم من إسرائيل أو بتقديمهم شيكاً على بياض لتأمين مصالح الأمريكيين.