لن يؤلم السلفيين في نتائج المرحلة الأولى ، وربما في نتائج انتخابات 2011 جميعها ما هو أكبر من ألمهم بخسارة كل من المهندس عبد المنعم الشحات في الاسكندرية ، والدكتور محمد يسري في القاهرة ، وذلك أن الاثنين يمثلان رمزية مهمة للغاية للتيار السلفي ، فالأول هو المتحدث الإعلامي الرسمي باسم الدعوة السلفية في الاسكندرية ، وهي أهم وأكبر الكتل السلفية في مصر ، والشحات صاحب حضور إعلامي صاخب وواسع في الأشهر الماضية ، وأثار جدلا واسعا بتصريحاته ، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ، والثاني محمد يسري هو الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والحريات وهي أبرز مؤسسة دينية شعبية ظهرت في أعقاب ثورة يناير ، ويسري له حضور مهم في الدائرة السلفية كما أن له حضورا إعلاميا معقولا . خسارة الاثنين من شأنها أن تجعل التيار السلفي يعيد حساباته في الجولات المقبلة ، ويعيد النظر في حملاته الانتخابية ، لأن المؤتمرات الحاشدة ومظاهرات "استعراض القوة" لا تكفي لكي تحقق نتائج حاسمة في صندوق الانتخابات ، وإنما "اللعبة" لها معايير أخرى ، ولها شروط أخرى ، ستصدم مرارا إذا تجاهلتها ، لقد خسر الشحات في الاسكندرية رغم أنه يملك قاعدة ضخمة بين الشباب الإسلامي ، ولكن ربما أن "التربيطات" التي أهملت ، أو تم التعالي عليها قد أثرت ، وربما الاندفاع في الخطاب الإعلامي "الخشن" أعطى انطباعات سلبية أو مقلقة ، حتى عند من يتعاطفون معك ابتداءا ، وربما التسريبات المتتالية عن الحضور الطاغي للتيار السلفي في الاسكندرية والدلتا والذي يهون وربما "يحقر" من شعبية تيارات إسلامية أخرى ، ربما كان له أثره في توجيه بوصلة التصويت ، حتى عند الإسلاميين "غير السلفيين" للمنافس ، كل هذه "افتراضات" من المؤكد أنها ستكون في حسابات قيادات حزب النور ومرجعياتهم الشرعية والسياسية التي تتصف بالحكمة وبعد النظر أكثر من شباب الحزب حديث العهد بالسياسة . خسارة محمد يسري في القاهرة أيضا مؤلمة جدا ، وخاصة أنها كانت أمام مرشح لا يملك كاريزما استثنائية أو خبرة سياسية طويلة يمكن معها القول بأنها مثلت دعما معنويا وجماهيريا ، وبالتالي يمكن القول أن المنازلة في دائرة "مدينة نصر" كانت بين شخصيتين متكافئتين من حيث حداثة الخبرة السياسية ومحدودية "الكاريزما" ، فكيف خسر "الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق" والرجل صاحب الرمزية المهمة في مدينة نصر ، المؤكد أن الحضور الإعلامي العاقل والمقنع لمصطفى النجار خدمه ، وهو شخصية تتسم بالتأني والبراءة وأتصور أنه يحمل كل ملامح "السياسي" المصري النموذجي الجديد في مرحلة الثورة والديمقراطية الحقة ، وقدم النجار أداءا إعلاميا مميزا من خلال البرامج والحوارات التي شارك فيها طوال فترة التحضير للانتخابات ، وكان مقنعا بالفعل ، بينما اقتصرت جهود محمد يسري على "المونولوج" السلفي الداخلي ، وحماسة قطاع واسع من الشباب ، وربما لم تتح له أدوات إعلامية كافية ، وربما لم يتحمس له تيار سياسي إسلامي آخر كان قلقا من فوز "رمز" سلفي في دائرة كان حضور ذلك التيار فيها طاغيا لسنوات طويلة مضت . خسارة الشحات ويسري ، ربما تجعل التيار السلفي أكثر تواضعا في الحراك السياسي الجديد ، وأكثر قدرة على استيعاب محددات اللعبة الديمقراطية ، وهي في كل الأحوال خبرة جديدة ، المؤكد أنها ستفيدهم كثيرا ، سواء في الجولات المقبلة أو في أي انتخابات أخرى في المستقبل . [email protected]