يبدو أن الأمور في طريقها للتصعيد بين إسلام آباد وواشنطن على إثر الغارة التي نفذتها طائرات تابعة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" على حاجز تفتيش عسكري بمقاطعة مهمند القبلية ، وخاصة بعد المزاعم التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 27 نوفمبر . وكانت الصحيفة نقلت عن مسئولين أفغان وغربيين القول إن نيرانا مصدرها موقع عسكري باكستاني تقف وراء الغارة الجوية التي شنها الحلف الأطلسي ، حيث تدخلت المروحيات والمقاتلات لحماية القوات الأفغانية وقوة من إيساف التي اعتقدت أنها تتعرض لنيران مسلحي طالبان. وقال مسئول أفغاني - رفض كشف هويته - للصحيفة إن جنود الجيش الأفغاني تعرضوا لإطلاق نار وطلبوا إسنادا جويا وهذا ما حصل" ، مشيرا إلى أن الحكومة الأفغانية تعتقد أن النيران مصدرها قاعدة عسكرية باكستانية وليس مسلحين موجودين بمنطقة القبائل التي تفصل بين البلدين وتعتبرها واشنطن معقلا لتنظيم القاعدة. كما نقلت الصحيفة عن مسئول غربي القول إنها كانت "عملية دفاعية"، مؤكدا أن القوات الأفغانية والأطلسية كانت تتعرض لنيران جنود في قاعدة عسكرية باكستانية. وعلى الفور ، نفى المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجور جنرال أطهر عباس صحة المزاعم السابقة وحذر من عواقب وخيمة لعدوان الناتو الذي أسفر عن مقتل وإصابة نحو 40 عسكريا باكستانيا . وقال عباس في بيان له :" إن ما قيل ليس صحيحا وهم يحاولون التماس أعذار لما فعلوه"، متساءلا عن الخسائر المادية والبشرية التي منيوا بها جراء النيران الباكستانية المزعومة. وبالنظر إلى أن المزاعم السابقة تؤكد أن الغارة كانت متعمدة وتحاول في الوقت ذاته الالتفاف على الغضب الباكستاني وتجنب تقديم اعتذار وتعويضات ، فقد رجح كثيرون أن الأسوأ مازال بانتظار العلاقات الباكستانيةالأمريكية . ولعل ردود الأفعال المتتالية في باكستان ترجح صحة ما سبق ، حيث أبلغت رباني كهر وزيرة خارجية باكستان نظيرتها الأمريكية هيلاري كلينتون في اتصال هاتفي غضب بلادها الشديد تجاه الحادث وهددت بإعادة النظر في تعاون البلدين على صعيد مكافحة "الإرهاب" . كما ترددت تقارير إعلامية حول أن باكستان قررت مقاطعة المؤتمر الدولي بشأن إنهاء الحرب في أفغانستان والمزمع عقده في بون في الخامس من ديسمبر القادم احتجاجا منها على انتهاك الناتو لسيادتها،وهي خطوة ستكون،حال حدوثها، نكسة كبرى للجهود التي تقودها الولاياتالمتحدة لإقناع حركة طالبان بالجلوس على مائدة المفاوضات ، نظرا لأن باكستان لاعب رئيسي في حل المشكلة الأفغانية. وبجانب ما سبق , أغلقت باكستان جميع المعابر الحدودية التي تستخدم لنقل ما يقرب من نصف احتياجات الحلف في أفغانستان من الإمدادات ، كما طلبت من واشنطن إخلاء قاعدة شامسي الجوية التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إي" في شن غارات بطائرات من دون طيار على مناطق الحدود مع أفغانستان. بل وأعلنت الرابطة الباكستانية الرئيسية لموردي الوقود لقوات حلف شمال الأطلنطي في أفغانستان أنها لن تستأنف الإمدادات في المستقبل القريب ، احتجاجا على الهجوم الجوي الذي وقع فجر 26 نوفمبر وأسفر عن مقتل 28 جنديا باكستانيا . وأكد نواب شير أفريدي أمين عام الرابطة أنها لن تعيد النظر في موقفها السابق ، إلا إذا قبلت حكومة إسلام آباد والجيش الباكستاني اعتذارا عن الحادث. ويبدو أن رد الفعل الشعبي الغاضب من شأنه أيضا أن يضاعف حدة التوتر بين الجانبين ، حيث خرج آلاف المتظاهرين الغاضبين في شوارع باكستان التي يبلغ عدد سكانها 167 مليون نسمة للتنديد بما أسموه مجزرة مهمند ، وأحرقوا الأعلام الأمريكية ودمية للرئيس باراك أوباما في 28 نوفمبر . والخلاصة أن مجزرة مهمند لن تمر مرور الكرام ، خاصة وأن كافة الشواهد تؤكد أنها كانت مقصودة للانتقام من الجيش الباكستاني على خلفية الاتهامات الأمريكية المتكررة له بدعم حركة طالبان الأفغانية .