استغرق جمع القرآن الكريم ثلاث مراحل معروفة أثبتتها كتب دراسات القرآن الكريم، أولها كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتمت على طريقتين: الأولى طريقة الحفظ والثانية طريقة الكتابة، وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور أو مكتوب مفرق الآيات والسور. وكانت المرحلة الثانية فكانت مرحلة الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله وعنه، وفيها بدأ زيد بن ثابت رضي الله عنه رحلته الشاقة في كتابة القرآن معتمدًا على المحفوظ في الصدور أو المكتوب عند الكتبة، وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر حتى توفي، لتنتقل من بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظلت عنده حتى توفي وكانت عند ابنته حفصة زوج النبي صلى الله وسلم إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان رضي الله عنه. أما مرحلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان هي المرحلة الأشهر والأهم في مراحل جمع القرآن الكريم فبعدما اتسعت الفتوحات الإسلامية وتفرق القراء في البلدان وأخذ أهل كل بلد القرآن عمن وفد إليهم، واختلفت وجوه القراءة التي يؤدنه بها باختلاف الأحرف التي نزل بها، فكانوا إذا ضمهم موطن من مواطن الغزو عجب البعض من وجوه هذا الاختلاف. وحين رأى حذيفة بن اليمان هذا الاختلاف في غزوة أرمينية وغزوة أذريبجان، بالدرجة التي أدت إلى وقوع اللحن والمراء بين المسلمين، وتكفير بعضهم للآخر ذهب رفع الأمر إلى عثمان بن عفان الذي أرسل لحفصة طالبًا منها الصحف التي لديها وبدأ مشروع توحيد المصحف، وشُكلت هيئة من الصحابة لهذه المهمة. وفي العصر الحديث بدأت أول مرحلة من مراحل الجمع الصوتي للقرآن الكريم عام 1958م، وكان يقف وراء هذا المشروع العظيم رجل جليل، صاحب رسالة نبيلة، عاش من أجل تحقيقها، وكانت ثمرتها إذاعة أول تسجيل للمصحف المرتل منذ نزل القرآن الكريم، وإنشاء إذاعة خاصة به في مصر، ثم تلتها إذاعات أخرى في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي. ومما يثير الإعجاب بهذا المشروع؛ أنه نهض على يد رجل من خارج مؤسسة الأزهر، أو العمل الدعوي العام! إنه الدكتور لبيب السعيد، الذي كان يشغل منصب المراقب العام بمصلحة الاستيراد، ومنتدبًا للتدريس بكلية التجارة في جامعة عين شمس.