لم يكد يصدر قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية النظام السوري إلى أن يكف عن أعمال القتل والمذابح التي يرتكبها في وضح النهار، حتى انطلقت الأبواق التابعة له تسب وتلعن الجامعة العربية، وتتهم الدول العربية الموقعة على القرار بالعمالة والخيانة، بأبشع الألفاظ التي لا تليق بالدبلوماسية ولا بالأخلاق الإنسانية. والسبب في هذا الغضب العارم من النظام السوري أن قرار الجامعة هو البداية الرسمية في كشف الغطاء الدولي عن هذا النظام، بعد أن عرته وفضحته الإرادة الشعبية التي انتفضت تطلب الحرية وتصر عليها منذ 9 أشهر، رغم العدد الكبير الذي قدمته من الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين. لم تكن الدول العربية وحدها، التي سبَّها النظام السوري، بل راح يتوعد الدول الأوروبية بقطع إمدادات الغاز والنفط، وبأنه سيفعل وسيفعل.. والسؤال: إذا كان النظام السوري يستطيع تنفيذ هذه التهديدات، فلم هو خانع أمام إسرائيل التي كانت كلما تقصف موقعًا في سوريا يكتفي النظام السوري (الجعجاع) بأن يقول: نحن نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب والمكان المناسب (؟!) يا سلام!! وطبعًا يتكرر العدوان الإسرائيلي.. وبعده يتكرر "التهديد" السوري!! ولا أحد يعرف بالضبط متى يجيء الوقت المناسب والمكان المناسب؟! النظام السوري بدل أن يشكر الجامعة العربية التي أعطت له مهلة تسعة أشهر ويزيد منذ بدء الثورة، إما للقضاء عليها (لو كان يستطيع) أو للتفاوض مع المعارضة (لو كان يريد).. راح يكيل الشتائم والاتهامات للجامعة بالعمالة لأمريكا والاستجابة لضغوطها، ولسان حاله يقول لها: نحن نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب والمكان المناسب (!!) لكن بعد ساعات وجّه النظام السوري الدعوة للدول التي شتمها وللجامعة العربية لعقد قمة عربية في دمشق!! ماذا هذا التناقض والارتباك؟! أليس هذا دليلاً على ضعف موقف النظام السوري وعلى كذبه فيما يدعيه من وجود عصابات تقتل المواطنين ثم تلصق ذلك بالجيش السوري؟! لو كان النظام السوري مظلومًا كما يزعم، فبأي وجه حق يزعم بشار أنه حامي حمى سوريا ووحدة الأراضي السورية وهو يعجز عن مواجهة هذه العصابات، التي لا يمكن أن يقول أحد إنها تمتلك أسلحة أكثر من قوة الدولة؟! وكيف سيحرر الجولان من يفشل في القضاء على مجموعة عصابات؟! وأنا رأيي، عكس ما يروِّج النظام السوري تمامًا، أن أمريكا لا تريد أن تضغط على بشار ولا أن يصدر قرار دولي جاد في هذا الخصوص، لأنها تعلم أن البديل هو مجي نظام وطني سيضع في أولوياته تحرير الجولان، والوقوف (بجد، مش زي بشار الفشار) ضد محاولات أمريكا السيطرة على سوريا وعلى المنطقة. والدليل على ذلك هو ما شهد به الأعداء! فقد عبّر رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد عن رأيه في أن سقوط نظام بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، مشيرًا إلى أن بديل الأسد ولادة إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط في مصر والأردن وسوريا. للأسف النظام مازال متماسكًا بعض الشيء، والجامعة العربية (غير قادرة) على الضغط بشكل كاف، والدول الغربية (غير راغبة) في الضغط للإطاحة ببشار؛ لأنها تخاف من القادم سواء كان إسلاميّا أم وطنيّا، ولأنه لا يوجد في سوريا بترول مثل ليبيا يمكن أن يغطي تكاليف الحرب ضد بشار ونظامه. ولذلك يجب أن تدرك المعارضة السورية أن الطريق مازال أمامها طويلاً.. وطويلاً جدّا.. لكن المهم أنه غير مسدود، وأن انتصارها مؤكد - بإذن الله- ولو تأخر بعض الوقت.