يظن بلال فضل أن منتهى آمال محمد مرسي هو أن يكون مثل نيلسون مانديلا ، أو أنه يسعى بطول محنته أن ينافس الزعيم الإفريقي على لقب زعيم المظلومين في العالم ، ومن ثم ييرم اتفاقاً ما مع سجانيه وينال بعدها جائزة نوبل مكافأة له على انصياعه لتعليمات الأسرة الدولية بالإبقاء على بلاده ضمن فلك النظام العالمي ، وذلك مقابل أن يعيش بقية حياته في احتفال تلو الاحتفال طالما ظل ملتزما بالصيغة التى جرى الاتفاق معه عليها. شعب جنوب أفريقيا فخور بمانديلا لأنه بصموده أجبر العالم على احترام إرادة الأغلبية السوداء وإنهاء نظام الفصل العنصري. العالم الأبيض من جانبه أعاد حساباته بعد سنين طويلة من حبس مانديلا وقرر أن ينهي المسألة الأفريقية بطريقة إبداعية يحصل الشعب الأسود بموجبها على كامل حقوقه مقابل أن تظل الدولة دائرة في نطاق المنظومة العالمية ، المقايضة تقضي بأن المواطنين البيض والسود سواء في الحقوق والواجبات ولكن تبقى الهيمنة والسيادة للبيض وذلك على مستوى الدول والحكومات وليس على مستوى الأفراد والشعوب. هذا هو بالضبط جوهر المحنة التي يعيشها محمد مرسي ، إذ أنه لن يتمكن يوماً من الحصول على نوبل ولن يجرى اعتماده كزعيم ومناضل من قبل المؤسسات الدولية. يحدث هذا فقط عندما يخضع مرسي للمقايضة الشهيرة ويشارك في عملية "قرطسة" الشعب المسكين ، اتفاق بسيط بين القوى العظمى و محمد مرسي ينهي كل المشكلة ويحصل الشعب على حريته وتنهال بعدها الأموال والاستثمارت على البلد ، ولكن كل هذا بشروط الرجل الأبيض الذي لن يسمح لك بالعيش إلا في المنظومة الاقتصادية والقيمية والفكرية والأخلاقية التي صنعها هو وفرضها على العالم بالاحتلال تارة وبالغزو الثقافي تارة وعن طريق تنصيب الزعماء التابعين لنفس المنظومة أحياناً كثيرة. نذكر هنا أن أوروبا وأمريكا مارست ضغوطاً هائلة على محمد مرسي ليقبل بتعيين الدكتور محمد البرادعي - الحاصل على نوبل أيضا - رئيساً للوزراء بصلاحيات كاملة وذلك لضمان أن تبقى مصر ضمن الفلك العالمي الأوحد. حينها كان محمد مرسي سيحصل على خاتم الزعامة وربما على جائزة نوبل مكافأة له على تجنيبه البلاد مخاطر العصيان على السيد الأبيض. إلا أن القول بأن "مانديلا ليس محمد مرسي" ليس المقصود منه أن نرفع من قدر الأخير على عكس ما يحاول السيد بلال في مقاله أن يفعل بالحط من شأن محمد مرسي أمام مانديلا ، ولكن المعنى هنا هو أن مرسي ليس مانديلا ومانديلا ليس مرسي ، أي أن كلاهما مختلفين .. متمايزين عن بعضهما لكل منهما أفكاره وفلسفته ومشروعه والذي يختلف بالضرورة عن الآخر ولا تجوز المقارنة بينهما على أي حال. خلاصة مشروع مانديلا هو أن يتخلص الشعب من جريمة الفصل العنصري وأن يعيش بشقيه الأبيض والأسود في سلام ووئام وحب تحت مظلة القيم الأممية وفي كنف المنظومة الغربية ، وهذا لا يعيبه ولا يقلل من قدره لا سيما وأن عقيدته وأفكاره وثقافته تتماشى في النهاية مع ذات الأفكار والثقافة التي تريد أن تفرضها المؤسسات الدولية ، هو فقط يريد الالتحاق بها ويرغب أن ينال شعبه الأسود حظه كاملاً من المساواة والعدل وحقوق الإنسان كما يراها الإنسان الغربي. أما مشروع مرسي فمختلف تماماً ، فحجر الزاوية عنده هو الانعتاق الكامل من المنظومة الغربية ، والتحرر التام من وصاية الرجل الأبيض فيما يتعلق حتى بالقيم التى استقرت عليها الانسانية ، لأنها وإن كانت تتفق في بعض جوانبها مع الإسلام إلا أن المشروع الإسلامي يقدمها بطريقة مختلفة تماماً تراعي جوانب عقائدية وانسانية فضلاً عن أنها سابقة على اكتشاف المجتمع الغربي لها بعد قرون من النزاعات الدموية ، وهذا طبعاً فيه تفاصيل طويلة. بوسع محمد مرسي أن يصبح مانديلا ، وعندها سيصفق له بلال فضل وأصدقاؤه لأنه نجح أخيراً في فهم أنه لا زعامة الإ إذا قبلت أن تلتحق أنت وشعبك ووطنك بالحضارة الغربية ، وأن تسير في ركابها ، وأنك إن سولت لك نفسك أن تطرح للعالم فلسفة مستقلة للدولة والمجتمع فلن ينالك إلا التشويه والسجن والإعدام ، ولك في نيلسون مانديلا عبرة كما أن لك فيه قدوة ومثلا ، فبعد أن غضبنا - نحن زعماء العالم - عليه سنوات صار زعيماً متوجا وجعلنا منه نموذجاً يطالبك به المثقفون من شعبك ، لأنهم وإن كانوا مثقفين ومفكرين إلا أنهم نشأوا أيضاً في ذات المنظومة التي قمنا نحن ببنائها بالمال والإعلام والجيوش الجرارة ، ولن يكون بمقدورهم التحرر من أسر الانبهار بالزعامات التي صنعت على أيديناإلا إذا تمكن أمثال محمد مرسي من الاستقلال بمنظومة فكرية واقتصادية جديدة ينتج عنها مثقفون مستقلون وهذا ما لن نسمح به. @talhaelgazzar