أزمة الكاريكاتير الدانماركى الوقح هى أول اختبار حقيقى يتعرض له "الحوار الإسلامى المسيحى"، والنتيجة حتى الآن هى فشل "الحوار" فى اجتياز "الاختبار"، والأسوأ أن الأزمة كشفت تأصل عدة "عقد" لدى الغرب فيما يخص نظرته للإسلام. المسؤولون الأمريكيون مثلاً تحدثوا وهم يبررون نشر الكاريكاتير الوقح عن "التعبير عن كراهية المسيحيين واليهود فى دول إسلامية"، وهو مبرر يشير إلى المصدر الذى يأتى منه المنهج المعوج لهؤلاء الذين اختطفوا الحديث باسم "أقباط المهجر" وغيرهم من قوى المعارضة الطائفية التى تحتضنها الإدارة الأمريكية، فالفرق كبير بين مسابقة تنظمها صحيفة كبرى تمثل قوى ذات شأن فى مجتمعها، يتبارى المشاركون فيها فى التطاول على النبى "محمد" صلى الله عليه وسلم، رسول الإسلام وأعلى رموز المسلمين، وبين تعبير مسيئ منفلت عشوائى يصدر من فرد أو جماعة صغيرة ويمس أفراداً يدينون بالمسيحية أو اليهودية، وأنبه إلى أن المسلمين من حيث المبدأ وحسبما يفرض عليهم دينهم لا يمكن أن يمسوا المسيح عليه السلام ولا موسى عليه السلام ولا غيرهما من أنبياء الله ورسله المكرمين، فالمسلمون يتلون فى صلاتهم وتهجدهم قوله تعالى "لا نفرق بين أحد من رسله". فرق واضح بين حملة منظمة تستهدف رسول الله، وتتمادى قيادات غربية بالدفاع عنها وتبريرها، وبين عبارة أو تصرف منفلت تقابله أغلبية المسلمين بالرفض، وتتعامل معه القيادات الدينية والسياسية بما يمليه العقل والمودة وتفرضه الحكمة، لكنها عقدة الاستعلاء الغربى التى تأبى إلا أن تسوى بين ما لا يمكن التسوية بينه. أيضاً فإن الربط بين الكاريكاتير وكراهية اليهود يشير إلى شيوع "الروح الانتقامية" لدى القيادات الغربية التى اتفق كثير منها على ترديد هذه النغمة، ويدل على تغلغل النفوذ الصهيونى الذى يجعل من مثل هذه القيادات "مطايا" لا تبالى بسب أقدس مقدسات المسلمين عقاباً لهم على أنهم لم يستسلموا للصهاينة بعد، أو لم يستسلموا بما فيه الكفاية! ولو كانت هناك فعالية حقيقية للحوار الإسلامى المسيحى، لقامت هيئة الحوار أولاً بدعوة أعضائها للتشاور حول هذه الواقعة مستشعرة أهمية الحدث ومسئوليتها عنه، ثم لرأينا بعد ذلك الأثر الواضح لهذا الاجتماع ممثلاً فى إجراءات عملية، أقلها البيانات والمسيرات المشتركة والاجتماع مع "أطراف الجريمة" لحثهم على "التوبة"، إجراءات تؤكد أن هناك حواراً قائماً بين أنداد متساوين، بينهم لغة مشتركة، ويعرفون كيف يتبادلون الاحترام والتقدير. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، فلا أحد استشعر الأهمية ولا أحس بالمسئولية ولا رأينا إجراءات عملية ولا نظرية، ربما لأن القيادات الغربية التى كان منوطاً بها أن تشارك فى هذا كله كانت مشغولة بالبحث عن نصب الفخاخ لسوريا، وحصار إيران، وتأليب دعاة الفتنة فى مصر، وتعذيب المسلمين فى "جوانتانامو" وقتلهم فى العراق. ومادام النفوذ الصهيونى يسيطر على أوربا وأمريكا كما نرى الآن فإن حوار جوانتانامو وبغداد هو الشكل الوحيد الذى يمكن أن يتحاور معنا من خلاله غرب لا يمثل المسيحية إلا بحكم "الأمر الواقع".