ليست هذه دعوى لاستخدام العنف، و لا نصرة للفوضى، و لا دعماً للمخربين. لكنّ المقال يناقش جدوى استخدام المظاهرات السلمية التي تُعدّ عرفاً في الأنظمة الديمقراطية، و التي يكون الهدف منها تعبير المتظاهرين عن موقفهم تأييداً أو معارضة لأمر أو مسألة أو حدث. هذه البدعة الغربية، كان الهدف منها عند تشريعها التنفيس عن احتقان الفئات التي تشارك بها. و هم يعلمون جيداً "أي المشرّعين" أنّ هذه التظاهرات لا تقدّم و لا تؤخّر في عملية صنع القرار السياسي و لا تؤثّر عليه بتاتاً، و أن المطلوب هو الالتفاف على الجماهير، و إيهامها بأنّ لها الحرية في قول ما تريد ، مع العلم أن قول ما تريد يختلف عن الهدف الذي يسعى المتظاهر من أجله، و هو التأثير على الطرف الرسمي!! على العموم و حتى لا نُبقي الإطار نظرياً، نعطي مثالاً على كلامنا هذا، و هو ما يصلح لأن يكون موضوع دراسة شاملة و كاملة، ألا و هي حالة المظاهرات التاريخية السلمية، و التي لم يسبق لها مثيل على الأرض و التي حصلت في أمريكا و أوروبا و إفريقية و آسيا قبيل الغزو الأمريكي للعراق للتعبير عن موقف رافض لغزوه و دعوة الأمريكان لعدم احتلال العراق. في إيطاليا وحدها تظاهر (3) ملايين نسمة ، وأكثر من ذلك في لندن العاصمة البريطانية . فهل استجاب أحد لمطالب هذه الجموع الغفيرة من البشر؟! الأسوأ من ذلك أن وزيرة الخارجية الأمريكية على ما أذكر، و قد كانت في ذلك الوقت مستشارة للأمن القومي قالت- في تعليق على سؤال أحد الصحفيين لها عمّا إذا كانت أمريكا ستستجيب لهذه التظاهرات العالمية المطالبة بعدم غزو العراق- : "دعهم يتظاهروا ما شاؤوا. نحن سندخل العراق". هكذا .. وبكل تحد ووقاحة !! وهذه الجملة كفيلة في تلخيص ما أريد قوله عن نهج و مصطلح و أثر التظاهرات السلمية و الهدف منها. فيما يتعلّق بالدنمارك و الإساءة إلى الرسول المفتدى بأرواحنا -صلى الله عليه و آله وسلّم-فقد أبت الصحيفة ناهيك عن الحكومة الدنماركية حتى مجرد الاعتذار. الاعتذار و هو عدّة كلمات و إن لم تكن ذات نتيجة كبيرة إلا أنها تترك أثراً عند المعتدى عليه أو على كرامته أو على مقدساته ، لكن أبت الحكومة و صحيفتها و من خلفها جمهور غفير من الدنمركيين ، بل و قامت بالاستعانة بأخواتها من الدول الأوروبية تحت يافطة الحرّية للدفاع عن موقفها. لقد سئمنا هذه الحريّة و قد أتعبتنا مفاهيمها و مصطلحاتها و دلالاتها!! يتطاولون علينا، و يسبون ديننا، و يهينون نبينا، و كل ذلك يندرج تحت يافطة الحرية!! بالطبع فإنّ من سينظم تظاهرة للاحتجاج على ذلك سيكون من الغباء بمكان أن يعتقد أنّه سيسيطر على الشباب الغاضب المشتعل المتفجّر إثر المهانة التي يتعرّض له نبينا الكريم، ولا يتوقع أن تجد دعوات ضبط النفس و التروي هنا من يستمع لها ، خاصة وأن هذه المصطلحات مرّت علينا كثيرا ، و تتكرر على مسامعنا من قرابة المائة سنة احتّل الغرب إثرها أوطاننا و سفك دماءنا، و انتهك حرماتنا. ماذا قدّم من طالب و يطالب بالتروي و ضبط النفس إلى هذه الشعوب حتى تستجيب له ؟! لقد طفح الكيل عندنا؛ فالرسول خط أحمر تتهاوى أمامه كافّة الخطوط و ديننا أنفع من دنيانا، فمن اجترأ على الإهانة لنا فليتقدّم و لينازل و ليتحمّل العواقب. السلطة السياسية العربية ميتة منذ زمن؛ فلا يمكن الاعتماد عليها حتى في الثأر لكرامات الناس. فإذا كانت هي من يهين شعوبها، فكيف بها أن تقف في وجه إهانة الآخرين لنا؟! سلطة العلماء في العالم العربي لامركزية و بها الكثير من الثغرات، و بعضها له مواقف لا ترقى إلى مستوى التحديات، و قد تخلّفت زمنياً عن مجرى الأحداث، و لم يتجرّأ على قول الحق في زمن الباطل و تساهل البعض الآخر بحقها و فرّط و داهن، و كان نتيجة ذلك تنازل العديد من الناس و الشباب عن تلك القيادات، و عدم الثقة بهم، و الاعتقاد بعدم قدرتهم على قيادة الشعوب في هذه المرحلة. لكن ذلك لا يعني أنّه يجب التخلي عن القيادات الدينية، و في جميع الأحول فالمطلوب من الجماهير حالياً عدم التركيز على التظاهرات (وصف البعض مظاهرات اللبنانيين و السوريين بالهمجيًة. ألم تكن قمّة الهمجية و التخلف و العنصرية و الحقد أن يتطاول بلد بأكمله على أقدس شخصية في الكون!!) و تكوين تكتلات لمقاومة الاعتداء الغربي على الديانة الإسلامية و مقدّساتنا، لها شخصيات تمثّل الأمة و تعمل لصالحها. و في مسألة التطاول الشنيع للدنمارك و من لفّ لفّها على رسولنا فالمطلوب الإبقاء على المقاطعة للبضائع الدنماركية و تفعيلها و الالتزام الدائم بها، و عدم الانجرار وراء توسيع الجبهات، و هذا ما لاحظنا أنّه قد تمّ إثر قيام العديد من الصحف الأوروبية بمساندة الدنمارك و إعادة نشر الإهانات ليتم التخفيف من الضغط على جبهة الدنمارك. الإبقاء على جبهة الدنمارك يعطي مفعولاً أكبر، و عندما تعي هذه الدولة قدر الإساءة التي أصابتنا و تحسّ بالخسائر الاقتصادية التي أصابتها قد تتراجع، و عندها نقوم بالانتقال لمقاطعة البلدان التي دافعت عنها فيما بعد .. و هكذا. المطلوب من القيادات الدينية وقفة جادة صادقة لوجه الله، و ألاّ يخافوا في الله لومة لائم؛ فقد شهدنا مؤخراً لدى بعض القيادات انهزامية غير مسبوقة، وتقاعسنا في مسألة الحجاب في أوروبا و فرنسا تحديداً، ثمّ تخلّينا عمّن أسلم من النصارى في مصر بل و سلّمنهاهم إلى الكنيسة لقمة سائغة وهم يستنجدون بنا و لا حياة لمن تنادي..!! ثمّ بعد ذلك دفنّا مفهوم الجهاد إلى غير رجعة إثر السماح بغزو العراق وتدميره .. وما صاحب ذلك وتبعه من امتهان للأمة وشعوبها ، و انتهاك للعزّة و الكرامة... إلى أن وصلوا إلى إحراق قرآننا و تدنيسه في غوانتنامو... وصولاً إلى رسولنا الكريم ! فماذا بعد؟! و ما هو حد المسموح و المقبول في سجل التطاول والمهانة ؟! و هل بعد هذا تعقّل و ضبط للنفس؟! ألا هل من سلطان يهب لنصرة المسلمين كما فعل السلطان عبد الحميد رحمه الله، الذي فضّل الموت على أخذ كنوز الدنيا و إعطاء اليهود قطعة في فلسطين!! كما ارتجفت أوروبا كلّها عندما هدّد بالجهاد إثر تناول النبي – صلى الله عليه وسلم - بسخرية في إيطاليا و فرنسا!! فأين نحن من ذاك الزمان و رجاله العظام ؟ المصدر : الاسلام اليوم