محمود فوزي يكشف عن اختصاصات جديدة لوزارة الشئون النيابية    محمد الباز ب"الحياة اليوم": نحن أمام ثورة حقيقة فى الحكومة المصرية    كامل الوزير عقب آداء الحكومة اليمين الدستورية : خطة شاملة للنهوض بقطاع الصناعة ليصبح فى طليعة الهيئات الناجحة    «ابدأ» تهنئ القيادة السياسية والشعب المصري بتشكيل الحكومة الجديدة    عضو ب"رجال الأعمال" يطالب وزير الإسكان بتيسير منظومة التمويل العقاري    شولتس: ألمانيا لن تدعم اتفاق سلام يتضمن استسلام أوكرانيا    تونس.. فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة خلال يوليو الجاري    بوتين خلال لقاء شي: العلاقات الروسية الصينية في أفضل حالاتها    أبو الغيط يبحث مع الدبيبة التطورات على الساحة الليبية    وزير الخارجية: مصر ركيزة الاستقرار بالمنطقة    "سي إن بي سي": نزوح جديد في خان يونس نتيجة رد إسرائيل على صواريخ حماس    مهام كبيرة على عاتق وزير الخارجية الجديد.. اختيار بدر عبد العاطى يعكس تعاطى الدولة مع المستجدات العالمية.. إدارته للعلاقات مع أوروبا تؤهله لقيادة الحقيبة الدبلوماسية.. ويمثل وجها للتعددية فى الجمهورية الجديدة    يورو 2024 - رسالة من رومانيا "الضيف المثالي" عقب الوداع ضد هولندا    منتخب مصر فى التصنيف الأول قبل سحب قرعة تصفيات أمم أفريقيا 2025 غدا    منتخب إنجلترا بالقوة الضاربة قبل مواجهة سويسرا    حكم مباراة البرتغال وفرنسا في ربع نهائي يورو 2024    مصابان في انهيار عقار ببولاق أبو العلا.. والتحريات: صادر له قرار إزالة    عاطل ينهي حياة زوجته بعد ضربها بماسورة على رأسها بالغربية    حبس شخصين ألقيا مادة حارقة على 5 بائعين في الشرابية    من جناح بمعرض الكتاب ل نبتة.. كيف ساهمت الدولة في تعزيز مهارات أطفال مصر؟    خبير إعلامى يوضح أهمية تفعيل "الاتصال السياسى" فى الحكومة الجديدة    انطلاق تصوير«بومة» بطولة ركين سعد    تمهيدا لطرحها خلال أيام .. أبو الليف ينتهى من تسجيل أغنية "بركاوى" بتوقيع برازيلى    أحمد حلمى لجمهوره : "استنونى الليلة فى حلقة مش مفهومة فى بيت السعد"    خالد عبد الغفار: مشروع التأمين الصحي الشامل على رأس تكليفات الرئيس السيسي    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    بيان الإنقاذ وخطاب التكليف !    رئيس الإنجيلية يهنئ مرجريت صاروفيم على توليها منصب نائبة وزيرة التضامن    21 توصية للمؤتمر الثالث لعلوم البساتين.. أبرزها زراعة نبات الجوجوبا    سوداني يسأل الإفتاء: أريد الزواج من فتاة ليس لها وليّ فما الحكم؟.. والمفتي يرد    وزير العمل: العمال في أعيننا.. وسنعمل على تدريبهم وتثقيفهم    يامال: أتمنى انتقال نيكو ويليامز إلى برشلونة    السيرة الذاتية للدكتور محمد سامي التوني نائب محافظ الفيوم    ماذا نعرف عن الدكتور عمرو قنديل نائب وزير الصحة والسكان؟    وزير الإسكان يؤكد على أولوية مشروعات الإسكان والتطوير في مصر    وزير الأوقاف: سنعمل على تقديم خطاب ديني رشيد    ارتياح فى وزارة التموين بعد تولى شريف فاروق حقيبة الوزارة    للتدريب على استلهام ثقافة المكان في الفن.. قصور الثقافة تطلق ورش "مصر جميلة" للموهوبين بدمياط    حسام حسني يطرح أغنية «البنات الحلوة»    خبيرة فلك تبشر الأبراج النارية والهوائية وتحذر العذراء    إفيه يكتبه روبير الفارس.. شر السؤال    ضبط 44 جروبًا على "واتس آب وتليجرام" لتسريب الامتحانات    المؤبد و10 سنوات لصاحب معرض السيارات وصديقه تاجري المخدرات بالشرقية    لويس دياز يحذر من الاسترخاء أمام بنما    أشرف صبحي: مستمرون في تحقيق رؤية مصر 2030    السيرة الذاتية للدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة    طريقة عمل كباب الحلة، أكلة سريعة التحضير وموفرة    "رموا عليهم زجاجة بنزين مشتعلة".. كواليس إصابة 5 بائعين بحروق في الشرابية    اشتباكات في بؤر استيطانية في الضفة المحتلة.. ومستوطنون يرمون الحجارة على قوات الاحتلال    النائب إيهاب وهبة يطالب الحكومة بالتوسع في إنشاء صناديق الاستثمار العقاري    حملات يومية بالوادي الجديد لضمان التزام أصحاب المحلات بمواعيد الغلق    أمين الفتوى: ثواب جميع الأعمال الصالحة يصل إلى المُتوفى إلا هذا العمل (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 3-7-2024    نيابة ثان أسيوط تستعجل تقرير الإدارة الهندسية لملابسات انهيار منزل حي شرق    عودة المساجد لسابق عهدها وتطوير هيئة الأوقاف.. ملفات على طاولة أسامة الأزهري وزير الأوقاف الجديد    ليس زيزو.. الزمالك يحسم ملف تجديد عقد نجم الفريق    تطورات الحالة الصحية ل حمادة هلال بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجأة (خاص)    تعرف على القسم الذي تؤديه الحكومة أمام الرئيس السيسي اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مصر.. أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة ومخاوفُ تحيط بالمسار الإنتقالي
نشر في المصريون يوم 16 - 10 - 2011

بعد ثلاثة أيام من ذكرى حرب أكتوبر 73، واجهت مصر، وفي المقدمة، الجيش المصري، محنة كبيرة، إذ تعرّض عدد من أفراده القائمين على تأمين مبنى الإذاعة والتلفزيون في منطقة ماسبيرو بوسط القاهرة، للإعتداء من قِبل متظاهرين شاركوا في مسيرة نظَّمتها إحدى الحركات الشبابية القبطية، التي يرعاها قِس شهير، وترى نفسها معنِية بما تعتبره حقوق الأقباط الضائعة.
ودعت الحركات الشبابية القبطية للقيام بمظاهرات حاشدة في أكثر من كنيسة وفي أكثر من محافظة في ذات الوقت، والتنديد بالإدارة المصرية بمستوياتها المختلفة والتواصل مع منظمات دولية من أجل إدانة الحكومة المصرية واستغلال أية أحداث تمس الأقباط، أيا كان حجمها أو وزنها، لإثارة ما يرونه مطالب قبطية غائبة، ومن ثمّ، توجيه الرسائل الإعلامية والدِّعائية إلى الخارج، بأن الأقباط مضطهدون ويتم التمييز ضدّهم من قبل الأغلبية المسلمة، ومن ثمّ تجوز لهُم الحماية الدولية على أيدي الأمريكيين والأوروبيين ومَن يرغب.
سبب كذوب وتعبئة وتحريض
السبب المباشر والمعلَن لمظاهرة ماسبيرو في التاسع من أكتوبر، لم تختلف كثيرا عن الأسباب المعروفة والمتكرّرة، حيث يُقال أن كنيسة هدمها أو أحرقها مسلمون في مكان ما في أرض مصر، ومن ثم تحدث التعبئة والخروج في المسيرات والمظاهرات التي تطلق الشعارات الغاضبة ضد الجميع، وتطالب بعزل المحافظين والتنديد بوقف بناء الكنائس وما يصفونه بالتطرف الإسلامي.
لكن هذه المرة، كانت الكنيسة مجرّد مشروع على الورق في قرية مريناب الواقعة على بُعد 800 كم من القاهرة جنوبا، حيث أسوان المحافظة السياحية، وهي القرية الهادئة التي يعيش فيها أكثر من 18 ألف مسلم ومعهم خمس مائة قبطي، ولم يُعرف عنها طوال تاريخها أن حدث فيها أي نوع من الإضطهاد للأقباط.
كان الإدِّعاء الذي تحوّل إلى سبب تحريضي هائل، أن المسلمين أحرقوا كنيسة المريناب، وحين أنكر محافظ أسيوط وجود كنيسة وأن الأمر ليس سوى منزل بسيط تقام فيه الصلاة منذ زمن بعيد وتهالك بفعل الزمن، وهو الآن محل إعادة بناء كمضافة تمّ زيادة مساحتها، خلافا للتصريح الرسمي الممنوح لأصحاب الشأن، فإذا بالقِس ذائع الصِّيت يُهدِّد المحافظ ويُكذِّبه ويتوعّده بالويل والثبور وعظائم الأمور، وزاد عليها قس آخر تهديد المحافظ بقتلة شنيعة، حسب ما جاء في إحدى لقطات الفيديو التي أذاعتها وكالات الأنباء ويتداولها الناس على الشبكات الاجتماعية بالإنترنت.
كما زاد القس الشهير نفسه تهديدا مباشرا للمجلس العسكري وقائده الأعلى بأمور لن يتحمّلوها، إن لم يعيدوا بناء الكنيسة فورا، وأن البداية ستكون مسيرة قبطية هائلة لم تعرفها مصر من قبل، ستدخل مبنى الإذاعة والتليفزيون. ويُذكر هنا أن هذه التصريحات كانت في إحدى كنائس شبرا، التي انطلقت منها تلك المسيرة الهائلة، وسجّلها بالصوت والصورة مراسل إحدى القنوات الفضائية الأجنبية.
بالفعل، نظمت المسيرة بطريقة متزامنة مع مسيرات قبطية في أكثر من محافظة، كالإسكندرية التي شهدت تجمّع أكثر من ثلاثة آلاف قبطي أمام القيادة العسكرية للمنطقة الشمالية، وتجمّعات أخرى أقل عددا في محافظات أسيوط وقنا والأقصر.
سارت المسيرة القبطية في اتجاهين، إحداهما من الغرب والأخرى من الشرق، وتلاقيا أمام مبنى التليفزيون المصري المحاط بوحدة تأمين من الشرطة العسكرية لا يزيد عدد أفرادها عن 300 جندي غيْر مسلحين بأسلحة نارية ويحملون فقط، وفقا لتأكيدات القوات المسلحة، مُعدّات مواجهة الشَّغب، وهي عبارة عن عصا وحاجز بلاستيكي لحماية الصّدر والوجه لكل فرد، ولم يكونوا حاملين أية أسلحة أو ذخائر.
وبعد تظاهرة سِلمية لحوالي ألف قبطي، سادها الهدوء لمدة ساعة تقريبا حتى السادسة مساء، حين وصلت تجمعات هائلة حاملة العصي والأسلحة وقنابل المولوتوف وأسياخ من الحديد وأنابيب البوتاغاز الصغيرة، وحدث هرج شديد وبدأ اعتداء غيْر مسبوق على جنود التأمين بالحِجارة أولا وطلقات الرصاص وعلى مركباتهم العسكرية، وتم حرق المركبات وفيها الجنود الذين مُنِع بعضهم من الخروج منها وهي تحترِق.
وفي الأثناء، نقلت مراسلة قناة العربية الفضائية نقلا حيا قائلة: "إن المتظاهرين الأقباط يعتَدون على الجنود بالأسلحة والعصي ويحرقون المركبات". كما أوضحت اللقطات المصورة من أكثر من جهة، عمليات الاعتداء الجماعي على الجنود بطريقة هيستيرية من قِبل المتظاهرين بالعصىي والصلبان. كما ظهرت مركبتان عسكريتان تحاولان الفِرار من التجمّعات الغاضبة، التي استمرت في إلقاء الحجارة كتل اللَّهب عليها وعلى مَن فيها من الجنود، وفي الخلف، أصوات هائجة ودعوات لمساعدة الجرحى والقتلى الذين وقعوا في مساحة عريضة أمام المبنى، سواء العسكريين أو من المتظاهرين أنفسهم.
كان المشهد مُروِّعا لا تصدِّقه العيْن، رأت جُزءا مُثيرا ومُحزنا منه، ما بين الثامنة إلى التاسعة مساء، عمليات هجوم وكرّ وفَرّ وطلقات رصاص غيْر معروفة المصدر في اتجاه مبنى الإذاعة والتليفزيون، وأصوات تنادي بالتجمّع على حافة جِسر 6 أكتوبر القريب، وقنابل تُضيء وتشعل ما حولها، وسيارات تنبعث منها رائحة الدخان ورائحة دخان القنابل المُسيِّلة للدموع تُثير الغَثيان.
وما لم يكن قابلا للتصديق، هو أن يتِم الاعتداء على الجنود الذين يحمون تراب الوطن وأهله، بدون تمييز، ويضَحّون من أجل الوطن بقدِّه وقديده، ولكنه وللأسف الشديد حدث، ونتج عنه شهداء من الجنود وشهداء من الأقباط ومصابون لا يقل عددهم عن 300 شخص، ناهيك عن مركبات عسكرية تمّ إحراقها وأخرى لمدنيين لا ذنْب لهم.
كانت الأهرام ليوم 11 أكتوبر الجاري، قد نشرت على لسان أحد الجنود المصابين بجروح قطعية في أكثر من مكان من جسده، أنهم لم يكونوا يحملون أية أسلحة وأن المتظاهرين كانوا يحرِقون السيارات ويمنعون الجنود من الخروج منها أثناء الإحتراق، وأنهم قاموا بقطع تنك البنزين وأشعلوا النار في العربة العسكرية، ولذلك خرجت كل الجُثث متفحِّمة ومات فيها 14 جنديا. بينما أكدت د. بثينة عبد الرؤوف، التي تواجدت في مبنى التليفزيون أثناء الأحداث (انظر بوابة الأهرام الإلكترونية بتاريخ 11 أكتوبر 2011)، أن أوائل القتلى كانوا من الجنود، وأنها أولا رأت جثَّتين، ثم لحق بهما ستة شهداء أخرين لفظوا أنفاسهم في المركز الطبي الموجود بالمبنى.
تفسيرات فضائية بلا معلومات
في تفسير ما حدث، وقبل أن تتجمّع المعلومات الدقيقة، سادت رواية في القنوات الفضائية الخاصة والصحف المستقلة، قِوامها أن القوات المسلحة المصرية أتت فعلا شنيعا، حيث أطلقت الرّصاص على المتظاهرين وهُم المصريون الأصليون، وقتلت منهم الكثير وأصابت العدد الأكثر، وأنها مسؤولة عن ذلك جُملة وتفصيلا، وتطرّف البعض إلى حدّ وصْف ما حدث، بأنه جريمة إبادة جماعية يتطلّب وضع القائمين عليها أمام المحكمة الجنائية الدولية. ولم ينس هؤلاء، استدعاء تراث من القصص والروايات، التي تدعم ما يعتبرونه تمييزا وسوءا في إدارة الملف القبطي، كما طالبوا بإقالة محافظ أسوان وطرده من وظيفته العامة. وصرّح سياسيون وقساوسة، بأن ما حدث يستدعي طلب الحماية الدولية فورا وفضح مصر في كل مكان ومعاقبتها.
ولم ينس هؤلاء إدانة القنوات التلفزيونية المصرية، التي كانت تذيع على الهواء مباشرة اعتداءات المتظاهرين على الجنود وحَرق المركبات العسكرية، وطالبوا بإقالة وزير الإعلام ووصفوه كاستمرار لسياسة النظام البائد. ونصح البعض الحكومة كلها بالإستقالة وترْك البلد إلى المصير المجهول.
التشهير بالقوات المسلحة المصرية
كان الأمر أشبَه بعملية تعبِئة شعبية وتشهير إعلامي غيْر مسبوق ضد القوات المسلحة والمجلس الأعلى. كانت التصريحات قاسية والتفسيرات جاهِزة ودم الشهداء لم يبرد بعدُ. وخرج المعلِّقون يقطعون جملة من هنا وعبارة من هناك للتدليل على صِدق رُؤيتهم بأن الجيش المصري خان القضية وباع الوطن وأهدر دم الأقباط عامدا متعمّدا. وجاءت الجنازات للقتلى الأقباط كمناسبة لمزيد من سبّ وشتْم الجيش وقيادته.
والغريب في كل هذه الأجواء، أن أحدا ممَّن تطوّع بالنقد والإدانة والتشهير والتّعبئة ضد مؤسسة الجيش والدولة المصرية، لم يجتهد في جمع المعلومات عمّا حدث بدقّة ولم يُشِر أحد من هؤلاء إلى مسؤولية التحريض والتعبئة التي حدثت في الكنائس القاهرية، والكل ركَّز على ما اعتبره تحليلا سياسيا عاما مرتبطا بتراث النظام البائد، الذي لم تفلح الثورة في التخلص منه، لأن الجيش، من وِجهة نظرهم، يحمي هذا النظام ويحرص عليه.
مَن وراء الشحن والعنف في المسيرة القبطية؟
ولم يحاول أحد أن يستفسِر عن السبب في تحوّل المسيرة، من سِلمية إلى عنيفة بهذه الصورة المخطّطة ومَن وراءها ومَن الذي سلّح بعض المتظاهرين بالعصي والسيوف وغيْر ذلك، ولم يجتهد أحد في التساؤل عن حقيقة ما جرى في قرية مريناب أصلا.
والمفارقة الكبرى، أن يعتبر كثيرون خروج الأقباط في هذه المظاهرة تحديدا، كعلامة فارقة في تاريخ مصر، لأنهم بذلك أكّدوا، من وجهة نظر هؤلاء المحللين، حِرصهم أي الأقباط على المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية الجديدة بعد الثورة. ولم يلتفِت كثيرون إلى أن هذه المظاهرة تحديدا، كانت تُحرِّكها مطالب فِئوية محدّدة ونوازع انتقامية، ولا علاقة لها بالمواطنة لا من قريب ولا من بعيد، وأن شعاراتها كانت دِينية بحْتة، التَقت بها رغبة العُنف وتهديدات يُعاقِب عليها القانون الجنائي.
والأكثر من ذلك، شكَّكت الغالبية من الكتّاب والمعلِّقين، في أن يكون للقوات المسلحة أي ضحايا أو شهداء أو مصابين، وأنكروا على شهداء الجيش استشهادهم في سبيل الوطن، ولم يفكِّر أحد في توجيه التحية لمَن استشهد أو أصيب، بل وأنكروا على المصابين من الجنود أن يتعرّضوا إلى أي أذى، وركّزوا على إدانتهم وسبِّهم والنيل من كرامتهم في تحليلات عابرة وصادمة وغيْر مسبوقة وغيْر أمينة بالمرّة. ولم ينس هؤلاء أن يقدِّموا النعي للثورة المصرية التي لم تأتِ بما يأملونه.
جاءت هذه التحليلات العابرة السيارة المُنفعلة المتَّكِئة على مواقف مُسبقة، بعد ساعات قليلة من صدور نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام، نُشر صبيحة الأحد 9 أكتوبر، وجاء فيه أن 89.7% من المصريين يثِقون في المجلس العسكري وإدارته للمرحلة الانتقالية، ويلي ذلك ثقتهم في القضاء بنسبة 77%.
نظرية الفئة المُندَسّة والطرف الثالث الخفي
وبينما يسود مصر الحُزن العميق والقلق يعُمّ الناس جميعا لا يفرق بين مسلم أو مسيحي، والعيون تنزف دما ودموعا، إذا بالبابا شنودة يقدِّم تفسيرا للعنف والاعتداءات على المتظاهرين وسقوط الضحايا والمصابين، بأنها جاءت من قِبل فئة مندسَّة حوّلت المسيرة السِّلمية إلى عنيفة، دون أن يُشير إلى هوية هذه الفئة أو يحدِّد دينها. وجاءت تصريحات د. محمد سليم العوا أحد المرشحين المحتمَلين لانتخابات الرئاسة المصرية لتؤكِّد امتلاكه أدلّة مُصوَّرة تؤكِّد أن طرفا غيْر المتظاهرين، هو الذى أطلق النار وأحدث الهرج والمرج.
والحق، أن بعض ما جاء في مقولات بعض المتظاهرين، كما في صحيفة الشروق بتاريخ 10 أكتوبر الجاري، أنهم تعرّضوا للإعتداءات من قِبل أطراف كانت تحمل الأسلحة البيضاء قبْل أن يصلوا إلى منطقة ماسبيرو، أما متظاهرون آخرون، حسب الصحيفة نفسها، فقد توعّدوا الجيش وأنه سيرى ما لم يتصور.
نظرية قاصرة واعتراف قنبلة
نظرية الطرف الثالث تنفي المسؤولية عن المتظاهرين الأقباط ،هكذا في غمضة عين، ولكنها أيضا لا تقدم إجابات شافية عن كل الأسئلة التي تحيط بهذه المظاهرة، بدءا من التخطيط لها ونهاية بما أحدثته من مأساة لمصر كلها. والأهم، لا تقدّم تفسيرا لكل هذا الحجم من الإعتداء على الجنود بالحجارة والرّصاص.
وبينما طالب الجميع بتنفيذ القانون ومعاقبة المسؤول عن الجريمة بحقّ المتظاهرين، قرّرت الحكومة تشكيل لجنة واسعة الصلاحيات لتقصي الحقائق برئاسة وزير العدل، والتي بدأت مهمّتها بزيارة إلى القرية التي انطلقت منها إشاعة هدم وحرق الكنيسة. وهنا جاءت المفاجأة الكبرى.
فقد أذاعت قبل يوم من وصول اللجنة، قناة الكرمة، وهي فضائية قبطية ترعاها الكنيسة الأرثوذكسية نفسها، حديثا قنبلة للأنبا هيدرا، أسقف محافظة أسوان التي تتبعه كنيسة المريناب المفترضة، حيث قال إنه لا توجد كنيسة أصلا في القرية، بل مُصلّى صغير، ولم يحدث أي هجوم أو حرق لكنيسة، لأنها لم توجد أساسا، وأن المبنى نظرا لقِدمه، فقد استطاع الكاهن المسؤول في المصلى، بعلاقاته الطيبة مع الإدارة المحلية، أن يستخرج تصريحا بالإحلال والتجديد باسم كنيسة مارجرجس، التي لم تكن موجودة، وأنه زاد في المساحة المخصصة للبناء، على عكس ما جاء في الترخيص، وأن المسلمين في القرية يساعدون في البناء، ولم يحدُث أن تأذى أحد من المسيحيين في القرية.
جاء الإعتراف لينصِف محافظ أسوان ويحاول إزالة الحرَج عن الكنيسة الأرثوذكسية، حين تأتي اللجنة الحقوقية لترى الحقيقة على الأرض، عكس ما أشيع وترتب عليه ما ترتَب من مأساة وطنية وإنسانية فظيعة، لكن الحرج سيظل قائما. فلما كانت قيادة الكنيسة تعلم بهذه الحقائق الدّامغة، فلماذا لم توقف آلة التحريض داخل كنائس عديدة بزعم حرق كنيسة ليست موجودة؟ ولماذا لم توقف هذه المسيرة التي لا سبب لها أصلا؟ ولماذا لم تفعل ما بوسعها لمنع كل هذا القتل والتخريب الذي حدث؟ ولماذا سمحت بأن تستمِر عمليات التعبئة ضد المسلمين والقوات المسلحة؟ أسئلة عديدة لن يُدركها إلا الضمير الوطني الحيّ.
وربما قال قائل، إن قيادة الكنيسة لم تعُد تهيْمن تماما على قساوسة في منتصف العمر، استمرأوا العمل السياسي بلباس ديني أو أنها تحبِّذ مثل هذه المظاهرات أيا ما يأتي من ورائها. وكلا الإحتمالين خطير.
توضيحات المجلس العسكري
بعد اعتراف الانبا هيدرا، جاءت توضيحات المجلس العسكري في لقاء صحفي موسّع عقد يوم الأربعاء 12 أكتوبر، وخلاصتها أن جنود الجيش المكلفين بتأمين مبنى التليفزيون، لا يحملون أسلحة، وإلا كان الوضع أكثر مأساوية، وأنهم تعرّضوا للاعتداء الغيْر مبرّر وبأشكال عنيفة، وأن الجيش ليس طرفا في مواجهة جزء من الوطن، وأنه لا يستبعد أن يكون هناك طرف ثالث استغلّ المظاهرة وحوّلها إلى معركة، ولكن لا يجزم بذلك، والأمر منوط بجهات التحقيق، وأن جزءا من المتظاهرين كان يحمل أشياء غريبة وأسلحة وعصي، وأن الجيش كان وسيظل جيشا لكل المصريين بدون تفرقة، ولذا سيُواجه بحزم أية أمور مماثلة في المستقبل، ولن يتهاون في مواجهة هؤلاء الذين يطالبون بحماية دولية، وأنه يضع كل ما لديه من حقائق أمام جهات التحقيق القضائية. وأخيرا، أن شهداء الجيش، وتمسُّكا بمبدإ أصيل في العسكرية المصرية، قد تم تشييع جنازاتهم سِرّا، حتى لا يحدُث ما لا يُحمد عُقباه.
ومن سمع العبارة الأخيرة التي تكرّرت مرات عدة، أدرك على الفور أن هناك شهداء كثيرين من الجنود قضوا بالرصاص أو بالحرق في مركباتهم العسكرية أو بالطعن بآلة حادّة أو نتيجة الضرب بالعصي المحملة بالسكاكين والخناجر، ولم يُعلن عن ذلك، لأنه لو جرت جنازات شعبية لهُم، لتحوّلت مصر إلى أتون من العنف الشعبي، وربما حرب أهلية تهلك الزرع والضرع، ولا يبقى مسجدا أو كنيسة. فكان القرار الصائب أن يصمت الجنود في سبيل الوطن.
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.