جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية ليس وافدا جديدا على عالم السياسة والدبلوماسية حتى تخرج المتحدثة باسم الوزارة لتقوم بتوضيح أهدافه ومقاصده من تصريحه بأن واشنطن مضطرة للتفاوض المباشر مع الأسد للتوصل لحلول سياسية للأزمة السورية ، فهو سيناتور بارز، وكان يوما مرشحا رئاسيا، وهو يقود وزارة الخارجية في أقوى دولة بالعالم منذ أكثر من ثلاث سنوات. ما يحدث في سوريا محرقة لم يشهد العالم لها مثيلا، حيث لم يتوقف سفك الدماء طوال 4 سنوات، ومع بداية العام الخامس للثورة أو الانتفاضة المطالبة بالحرية والكرامة ، وهي حقوق طبيعية لأي شعب، فإن النظام والميليشيات المذهبية التي تدعمه يصّعدون من هجماتهم التي لا تفرق بين طفل وشيخ وإمرأة وشاب وفتاة متبعين سياسة الأرض المحروقة. السوريون لا بواكي لهم، لا أحد معني بدمائهم في الغرب، وخصوصا أمريكا الدولة القادرة على الفعل، والعرب لا يملكون من أمرهم شيئا غير المساعدات الإنسانية، وإلا ما دخلت المجزرة العام الخامس بينما أعصاب قادة الغرب والشرق مازالت هادئة، وكيرى مازال يبحث عن الحلول، ويكافئ الأسد والمحور الذي يدعمه بتصريحاته المجانية ، وأوروبا تشتبك معه في جدل سياسي، وسجال كلامي لا يفيد ولا يعتبر به الأسد، بل خرج ليوظفه فورا لصالحه قائلا بأن على الغرب الباحث عن حل إيقاف دعمه للإرهابيين أولا. كل من يعارضون ويقاتلون الأسد هم إرهابيون في نظره ، ليس "داعش" و"النصرة" فقط، إنما ائتلاف قوى المعارضة المدنية من علمانيين وليبراليين ويساريين وذراعه العسكري الجيش الحر هم إرهابيون أيضا، وحتى من يعارضه من علويين ومسيحيين وأكراد فإنهم إرهابيون كذلك ، كل من يقول للأسد توقف عن القتل الوحشي، وكفى طغيانا وارحل أو ساهم في إنقاذ ماتبقى من سوريا فهو إرهابي يستهدف نظام الممانعة المزعوم. لندن وباريس تختلفان مع واشنطن فيما قاله كيري بشأن التفاوض مع الأسد والتخلي عن مبدأها وهو رحيله عن السلطة ، والاتحاد الأوروبي يميل إلى ماقاله كيري ، هى فوضى سياسية رسمية، وعدم تماسك الموقف الغربي، بل وعدم وضوح رؤية للحل لوضع حد لدماء أبرياء بلا عدد تسقط على رؤوسهم براميل الأسد المتفجرة ويقنصهم شبيحته وقواته والميليشيات الإيرانية وتوابعها من حزب الله اللبناني ومن العراق وأفغانستان وباكستان وحتى الهند، مقاتلون بلون مذهبي تجلبهم طهران لإزهاق أرواح السوريين، وتشريد نحو 9 ملايين ، وسقوط أكثر من 220 ألفا، وأعدادا ضخمة من الجرحى والمقعدين والمفقودين، وعلى الجانب الآخر هناك ميليشيات مسلحة ومنظمات متطرفة تقاتل الأسد وتقتل السوريين أيضا وتتصارع فيما بينها ،وهناك مقاتلون أجانب يفدون إلى سوريا للقيام بالمهمة المقدسة من وجهة نظرهم حتى ضاعت الثورة أو الانتفاضة وتعسكرت على غير إرادتها، وهو ما أراده الأسد وتحقق له، واليوم يتبدى أن "داعش" هو صناعة أسدية إيرانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأن هذا التنظيم بجرائمه الشنيعة لم يخدم الشعب السوري المظلوم، ولا أهل السنة في العراق، ولا خدم قيم الحرية التي تسيل في سبيلها دماء كثيرة، إنما خدم الأسد بأن جعل أمريكا تخشى سقوطه حتى لايسد هذا التنظيم فراغه ، وهذا هو جوهر تصريح كيري، وجوهر حديث مدير المخابرات الأمريكية " سي آى إيه" بعدم سماح واشنطن بحدوث فراغ في سوريا ليقوم بملئه المتطرفون ، وهما تصريحان من مسؤولين كبيرين يسيران على نفس السكة، ما يعني موقفا سياسيا وأمنيا موحدا من إدارة اوباما، وبالتالي فإن توضيح وزارة الخارجية لمغزى كلام كيري لا يعني نفيه تماما، فهو ليس سياسيا شابا بلا خبرة حتى لا يدري مايقوله بل كلماته محسوبة جيدا، لكن الهدف فقط تخفيف أثر صدمة الموقف الأمريكي الذي ربما فاجأ الحلفاء الأوروبيين والعرب. ماذا يعني الموقف الأمريكي الجديد من الملف السوري والتفاوض مع الأسد حتى لو كان قد تم تخفيفه؟!. غدا إن شاء الله نستأنف الحديث. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.