لا شكّ أن 25 يناير كان حلمًا للمصريين، أن يخرجوا ويعبِّروا عن غضبهم ورفضهم لكل مناهج الفساد ومخطط التوريث التي شابت النظام السابق برئاسة حسني مبارك، ورغم نجاحهم في إسقاط هذا النظام إلا أنهم حتى الآن لم يهنأوا بتحقيق الأهداف التي من أجلها قامت الثورة، فتلت المليونيَّة وراء المليونيَّة للنداء والضغط على المجلس العسكري الذي يدير البلاد حاليًا، ويبدو أنهم لن ييأسوا حتى يكتمل حلمهم. فبعد شهادة المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى العسكري، في قضية الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتي تردَّدت شائعات حول أن الشهادة تصبّ في صالح مبارك وبراءته من قتل المتظاهرين إبان الثورة، وبعد إقرار قانون الطوارئ مرةً أخرى وإصدار قانون الانتخابات، زادت المطالب بين عدد من القوى السياسيَّة للخروج في مليونيَّة جديدة تطالب بتعديل قانون الانتخابات وبتحقيق كل مطالب الثورة وعلى رأسها الانتقام من "قتلة المتظاهرين". وكان اختيار يوم 30 من سبتمبر، للخروج في هذه المليونيَّة تحت مسمى "جمعة استرداد الثورة"، وتوافد منذ الصباح الباكر العشرات على "ميدان التحرير" للمشاركة بعيدًا عن "التحزب" أو "الشعارات الفرديَّة"، مجتمعين تحت مطالب جماعيَّة أساسيَّة مفادها أن "الثورة تُدير ولا تُدار". مطالب الثوار تركزت مطالب المتظاهرين حول إلغاء قانون الطوارئ وتعديل قانون الانتخابات، وتطبيق قانون الغدر أو ما يُعرف بالعزل السياسي لمنع فلول الحزب الوطني "المنحل" من ممارسة العمل السياسي لمدة عشر سنوات مقبلة، وتحديد جدول زمني لنقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنيَّة. كما طالب المتظاهرين بإلغاء المحاكمات العسكريَّة وكافة الأحكام الصادرة عنها خلال الفترات السابقة على أن تعاد تلك المحاكمات أمام محاكم مدنيَّة, بالإضافة لتطهير وزارة الداخليَّة ووزارة الإعلام, وضمان استقلال القضاء وتطهيره, وحريَّة إنشاء نقابات مستقلة, وإقرار الحدين الأدنى والأقصى للأجور وإلغاء قانون تجريم الاعتصامات. وشارك في التظاهرة العديد من الأحزاب والقوى والحركات السياسيَّة من أبرزها حركة 6 أبريل، واللجنة التنسيقيَّة لجماهير الثورة، وائتلاف شباب الثورة، وحركة أقباط بلا قيود، وأحزاب الوفد، والوسط، والغد الجديد، والوعي، والكرامة، والناصري، والعدل، والجبهة الديمقراطيَّة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والعمال الديمقراطي، وحملة دعم أيمن نور، و"الاشتراكيون الثوريون"، بالإضافة إلى حركة شباب من أجل العدالة والحريَّة، والجبهة القوميَّة للعدالة والديمقراطيَّة، واللجان الشعبية للدفاع عن الثورة، وحركة مشاركة، وحركة المصري الحر، وائتلاف ثورة اللوتس, وتحالف حركات توعية مصر. بينما غاب عنها رسميًّا، العديد من الأحزاب والقوى والحركات السياسيَّة الأخرى ومن أبرزها الإخوان المسلمون، وحزب الحرية والعدالة، والدعوة السلفيَّة، والجماعة الإسلاميَّة، وحزب المصريين الأحرار، وحزب الاتحاد المصري العربي. منصات وتفتيش كعادة "المليونيات" في مصر، قام المتظاهرون بنصب أربع منصات بمختلف أرجاء الميدان؛ حيث تَمَّ نصب المنصة الرئيسيَّة بمكانها المعتاد بالمواجهة لمبنى الجامعة الأمريكيَّة، بينما تَمَّ نصب المنصتين الثانية والثالثة أمام مبنى مجمع التحرير، أما المنصة الرابعة فتم نصبها على ناصية شارع قصر النيل. كما قام الشباب بغلق جميع مداخل ميدان التحرير، الذي خلا من أي وجود لرجال الشرطة أو القوات المسلَّحة، حيث قاموا بوضع حواجز حديديَّة بشوارع محمد محمود، وقصر العيني، وأمام مسجد عمر مكرم، وأول كوبري قصر النيل، وأمام المتحف المصري وشارع قصر النيل لوقف حركة تدفق السيارات على الميدان. وبدأت اللجان الشعبيَّة في إجراءات تأمين مداخل ومخارج الميدان؛ حيث بدأت في الكشف عن هوية الوافدين إلى الميدان وتفتيشهم قبل دخولهم؛ لضمان عدم اندساس أي من العناصر المثيرة للشغب أو الخارجة عن القانون وسط الفعاليات بعد أن قام المجلس العسكري ببث رسالة على صحفته الرسميَّة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) يدعو كافة القوى المشاركة لتحمل مسئوليتهم الوطنيَّة أمام الشعب في التنظيم والتأمين والحفاظ على كافة المنشآت الخاصة أو الممتلكات العامَّة للدولة. ثورة تدير ولا تُدار شهد ميدان التحرير تعليق العديد من اللافتات التي تعبِّر عن مطالب جمعة (استرداد الثورة) ومن بينها، (ثورة تقود ولاتقاد.. ثورة تدير ولا تدار.. لا للطوارئ -الشعب يريد إقالة ومحاكمة جودت الملط ومستشاره ونيس -لن نعترف بإسرائيل -الشعب يريد تطهير القضاء -لن نفرط في دماء الشهداء – الثورة مستمرة -صحافة المخلوع تتحدى الثورة المصريَّة" ومطبوعًا عليها صور رؤساء تحرير بعض الصحف والمجلات"). وهدَّد المتظاهرون بإضراب عام بكافة شوارع وميادين مصر الكبرى، في حالة عدم استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في البلاد لمطالبهم. كما هدَّد الشيخ مظهر شاهين خطيب مسجد عمر مكرم، بقيام الثوَّار بحلّ وزارة الإعلام وإقالة وزير الإعلام أسامة هيكل، إذا لم يتمّ تطهير الإعلام من فلول النظام السابق، مشيرًا إلى استضافة أشخاص يقودون ثورة مضادَّة بالتليفزيون المصري. وأكَّد شاهين في خطبته التي ألقاها اليوم في ميدان التحرير أن الشعب المصري لن يقبل بوجود أي عضو من أعضاء الحزب الوطني المنحل تحت قبته، مؤكدًا أن الثوَّار سيقومون بحلّ البرلمان الجديد و"سينقلب السحر على الساحر" إذا حدث فيه أي تزوير أو ضمّ أعضاء الوطني المنحلّ، ومشددًا على ضرورة تطبيق قانون الغدر على رموز الوطني المنحل لمدة 10 سنوات. وقال: إن رجال أعمال النظام السابق ينفقون أموالا طائلة من أجل هدم وحرق الثورة، مشيرًا إلى أنه يخشى "أن يحدث ما لا يُحمد عقباه" إذا لم تنفذْ جميع مطالب الثور قبل 25 يناير. وحذَّر شاهين السفيرة الأمريكيَّة بالقاهرة آنا باترسون من التدخل في الشئون الداخليَّة لمصر، مؤكدًا أن مصر ليست باكستان أو أفغانستان لكي تتدخل في أمورها الداخليَّة. وفي النهاية طالب شاهين المصلين بأن يمسكوا بأيدي بعضهم البعض ويقولون معه القسم الشرعي للثورة فردَّدوا "نقسم بالله العظيم أن نحافظ على ثورتنا وعلى مطالبها وأن نموت من أجلها". التليفزيون وعمر عبد الرحمن قام المتظاهرون في ميدان التحرير بطرد التليفزيون المصري من الميدان ومنعوه من تغطية أحداث جمعة "استرداد الثورة", ومما أثار حفيظة المتظاهرين أن إحدى كاميرات التليفزيون الذي كان يقوم بتغطية المليونيَّة راحت تلتقط مشاهد وصورًا لمظاهرة قليلة العدد بعيدًا عن الزخم والتجمعات الكبيرة حتى يظهر الميدان خاليًا من المتظاهرين. أما الشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل بالولايات المتحدة، فكان حاضرًا بقوة في المليونيَّة، حيث نظَّم أنصاره مسيرة للمطالبة بالإفراج عنه، ورفعوا عددًا من اللافتات مطبوعًا عليها صوره، مردِّدين العديد من الهتافات المعادية للولايات المتحدة. المصدر: الإسلام اليوم