وجه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، انتقادات شديدة اللهجة للسياسة الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيل، الأمر الذي يؤجج كراهية المسلمين ضد الولاياتالمتحدة، مؤكدا في الوقت ذاته أن الديمقراطية الأمريكية ليست هي المثال الذي يحتذى به. وقال الطيب لدى استثقباله الثلاثاء بمكتبه آن باترسون السفيرة الأمريكية لدى مصر، إن الانحياز الكامل الأمريكي لإسرائيل "يزيد من حالة الكره واليأس من عدالة الإدارة الأمريكية وسيزيد من إصرار الأزهر على مناصرة ومساندة الشعب الفلسطيني لقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف"، وحث الولاياتالمتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين وقبولها كعضو كامل بالأمم المتحدة. وأعرب الطيب عن رفضه التام للدعم السخي من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة الذي يخصص لبعض الجمعيات "التي تهتم بتوافه الأمور بينما تهمل المساعدات الجادة للتعليم ومحاربة الفقر والأمراض". وأكد في الوقت ذاته، أنه لا مشكلة للشعوب العربية والإسلامية مع الشعب الأمريكي، وإنما المشكلة مع سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع مختلف القضايا الإسلامية، ورأى أن الديمقراطية الأمريكية ليست نموذجًا يُحتذَى به وإنما الديمقراطية هي التي تنبع من الشعب وتعبر عن اختيار الشعب وأصالته. وقال إن التدخل الأمريكي في العالم الإسلامي خلق نوعًا من ردود الفعل العنيفة جدًا، وخلق الكراهية التي نراها اليوم، وأشار إلى أنه على الإدارة الأمريكية أن تعود إلى رشدها وتزن الأمور بموازين العدل والحق، محذرا من أنه في غياب هذه النظرة المتزنة، فالكل سيخسر، والدماء ستسيل في الشرق والغرب على السواء، وهذا ما لا نرتضيه. وانتقد الطيب الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 وما جره من ويلات على الجميع، معربا عن استيائه من الانحياز الأمريكي لإسرائيل، قائلاً إن منطق التاريخ يحكم بفشل مثل هذه السياسات الظالمة وهذا يسئ إلى الولاياتالمتحدة وتاريخها. وقال إن على الولاياتالمتحدة أن تتعامل مع الشعوب العربية والإسلامية من خلال الأبواب لا من خلال النوافذ والثقوب، وعليها أن تكف عن تأييد الاستبداد والأنظمة الاستبدادية. وأعرب عن الرفض القاطع لكل الشروط والإملاءات الغرب والأمريكية، "شعوبنا شعوبً راشدة تعي مصلحتها وعلاقتها المعقدة مع العالم، ومن هذا المنطلق نرفض رفضًا تامًا وقاطعًا كل الشروط والإملاءات التي تأتينا من الغرب وأمريكا". وتابع: "عندما أقول نرفض إنما أعبّر عن نبض الشعوب العربية والإسلامية التي يعتبر الأزهر ضميرها الحي، نعم للعلاقات الطبيعية التي تقوم على المصالح المشتركة ولما فيه خير الجميع". وأبدى استعداده للتعاون المشترك في مجالات البحث العلمي، بشرط عدم التدخل في شئون الأزهر لا من بعيد ولا من قريب. وجدد مطالبته الإدارة الأمريكية بالنظر في إعادة الشيخ الضرير الدكتور عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي ل "الجماعة الإسلامية" إلى وطنه وأسرته. وعبر الطيب عن ألمه واستيائه من بعض التصرفات المسيئة للمسلمين الأمريكيين، وهذا يضاد التنوع والديمقراطية بالمجتمعات الحرة، وانتقد "الإسلاموفوبيا"، الذي وصفه ب "الوهم الكريه الذي لا يتفق مع التقاليد الديمقراطية التي من المفروض أن تسود في المجتمعات الحديثة". وقال شيخ الأزهر إن الثورات هي من إرادات الشعوب، وفعاليتها فعالية داخلية ذاتية، مضيفًا إنه على الرغم من الأموال والأدوات التي رصدت من الغرب بعامة ومن أمريكا بخاصة لإحداث التحول الديمقراطي بالمنطقة إلا أنها لم تكن ذات أثر، "فمن المهم أن ندرك أن هذه الشعوب تتحرك وَفق منطقها الذاتي ومواريثها الحضارية وبما يمثل خصوصياتها التي يجب أن تُحترم، ووثيقة الأزهر أنموذجُ لهذه الخصوصية". واعتبر أن "الربيع العربي وهذه الثورات كانت تعبيرًا وتجسيدًا لمجموعة من القيم: المواطنة – الحرية – العدالة – الكرامة - عدم الإقصاء"، وقال إن "هذه القيم وإن كانت قيمًا عالمية إلا أن الأزهر يسهم في إثرائها عبر حراكٍ داخليٍ يُدرك خصوصيات كل مجتمع قُطري داخل المجتمع العربي والإسلامي الكبير، ويسعى الأزهر لتجسيد هذه القيم في إطارٍ مؤسسي". وأشار إلى أن الأزهر سيسعى "بما يملكه من تاريخٍ ورمزيةٍ إلى تحويل هذه القيم لمشروع ثقافي شامل سعيًا إلى إحداث التغيير والنهضة في العالمين العربي والإسلامي، وما وثيقة الأزهر إلا بداية في هذا الطريق".