منذ بداية الثورة وأنا أكتب حول تداعياتها ، وأحاول قدر جهدي أن ادفع القارئ إلى التفاؤل ، على اعتبار أن المشهد الثوري يحتاج إلى ذلك ، والى أن نفسية المواطن المصري في حاجة إلى من يدفع إليها الأمل دفعاً ، في وقت يحاول فيه البعض مستخدما أساليب من شأنها إحداث الهزيمة النفسية للمجتمع المصري بأكمله ، انطلاقا من حقده على الثورة والثوار من ناحية ، وكذلك لعدم توافق مصالحة ومطامعه على المستوى الشخصي ، مع ما ترمى إليه الثورة ، وما تهدف إلى تحقيقه ، من حرية حقيقية لأفراد المجتمع ، إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ، وتحويلها إلى واقع يعايشه المواطن البسيط بعد أن ترقبها لعقود عدة ، دون أن تطل عليه ، وعندما أطلت الثورة برأسها ، كان شغفه وانتظاره لمكتسباتها لكي تكون واقعا يمارسه بعد أن طال انتظاره . من أجل هذا كتبت عن هزيمة الخوف ، ثم نعم لإرادة الشعوب ، ثم سرعان ما نبهت إلى أهمية العقل الجمعي والدعوة إلى نبذ تعدد المنصات في التحرير ، والدعوة إلى روح الفريق ، ثم طالبت في رمضان أن يستثمر الثوار ذلك الشهر العظيم ، لكي يحققوا أهداف الثورة ، ثم طلبت من الجميع ان يجعل العيد نموذجا للوحدة والتسامح . كل ما سبق كان بمثابة دعوة صريحة إلى التوحد ، والتكاتف ، والدفع نحو تحقيق أهداف الثورة بطريقة تعبر عن رقى حضاري ، شهد الجميع للثورة المصرية بتحقيقه ، وشهد بذلك القاصي والداني. واليوم وبعد أن رأينا المشهد الثوري يتحول عن مساره الصحيح ، من خلال محاولات عدة تهدف الى تحقيق ذلك ، ولا أظن أن إحداث محاولة اقتحام وزارة الداخلية يوم 9/9/2011م وطالعنا جميعا ماحدث في مديرية أمن الجيزة ، وكذلك السفارة السعودية بالقاهرة ،من محاولات للتدمير والتخريب ، وعبر تحليل الحدث ، وما ترتب عليه من إجراءات تدفع إلى تمرير قانون الطوارئ دون سند دستوري كما أخبر الفقهاء من القائمين على صياغة التعديلات الدستورية وعلى رأسهم المستشار " طارق البشرى " والذي أعلن أن إعلان المجلس العسكري استمرار العمل بقانون الطوارئ حتى العام القادم ، يعتبر غير دستوري ، ويستوجب الاستفتاء من قبل الشعب قبل الإعلان عن تمديده ، وبالتالي رأينا حالة من الضبابية بشأن الإعلان عن تمديد قانون الطوارئ ، وفى ظل تداعيات لم نعرف بعد من السبب وراء إثارتها ، وان كانت النتيجة التي ترتبت عليها ، قد أوضحت للجميع من المستفيد من ذلك التمديد . ولا يمكن أن يغيب عن المشهد الموقف الرسمي الاسرائلى مما يدور في مصر ، وبخاصة مع زيارة رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" للقاهرة قالت صحيفة الجارديان البريطانية أن زيارة أوردغان تأتي وسط مخاوف إسرائيلية من احتمال كون تركيا تسعى لخلق تحالف بين البلدين لتكريس عزلة الدولة اليهودية في المنطقة. وبالتالي رأينا زيارة مسئولين عسكريين أمريكان إلى القاهرة ولقاءهم بالفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس العسكري ، والسؤال هنا ليس في الزيارة بحد ذاتها ، وإنما السر وراء تلك الزيارة وفى نفس التوقيت عقب زيارة" أوردغان" مباشرة ، وعلاقة ذلك بالضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على المجلس العسكري . ولعل غياب الشفافية الممنهج والمتعمد وراء كل الأزمات التي يمر بها المجتمع المصري ، ومنها مشكلة الغاز ، وأزمة الأدوية ، والاعتصام المتكرر لفئات مختلفة من المجتمع تطالب بحقوقها المادية والأدبية ، وأخيرا التقارير الأمنية التي تصنف القيادات الجامعية، والتي ظهرت ضمن تقارير جامعة القاهرة بشأن ترشيحات الأساتذة لمنصب العميد . على سبيل المثال إضراب بعض المدارس عن التدريس ، لو أن مجلس الوزراء تفضل مشكورا ممثلا فى وزارة التربية والتعليم ، وأصدر بيانا يفيد جدول زمني يتعلق بالحد الأقصى للأجور ، والتأكيد على أهمية الاهتمام بالجانب المادي للمعلم خلال الفترة القادمة ، على أن يعلن وزير التعليم ذلك على المجتمع عامة والمجتمع التربوي خاصة ، إلا أن ذلك لم يحدث ، بل ان الأمر يطول كافة الوزرات في تلك الحكومة وكأن قيدا ما يكبلها ، وكأني استدعى تصريح "نبيل العرابي" عندما تولى وزارة الخارجية وظن أن من حقه كوزير خارجية أن يصرح ، فكان تصريحه بأن من حق مصر أن تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية مع إيران ولا يحق لأحد أن يحجر على مصر ، فكان ضمن ما كتب عقب تولية أمانة جامعة الدول العربية وتم نشره في كثير من الصحف ، أنه تم توجيه اللوم له من قبل رئيس المجلس العسكري على تلك التصريحات ، وبالتالي فإن الرسالة الواضحة والمعلنة لكل وزير في حكومة الدكتور شرف هي ، لا يجوز التصريح أو التلميح إلا بالرجوع إلى المجلس العسكري . انه نفس نموذج النظام السابق في التعامل مع الوزراء ، بل هي نفس سياسية مبارك . والغريب في المشهد المصري الحالي ذلك التخبط وعدم التركيز والتمييع في الإجراءات وكأن الضغط الأمريكي يطالب بزيادة أمد المدة لحين ميسرة ........ إلى متى لا نعلم . ولعلى أشير إلى ذلك الغموض وحالة عدم الارتياح التي انتابت أهالي الشهداء ، وكذلك عقب شهادة المشير أمام المحكمة ، ورغم سياسة عدم النشر حول ما يدور وما يحدث من شهادات ، إلا أن الظاهر العام يخبر بأن أمرا ما غير مريح يسيطر على المشهد ، ولهذا فمن حق مصر ومن حق أصحاب الثورة أن يسألوا حراس الثورة لم كل هذا .... والى متى يستمر المشهد في حالة من الضبابية ؟ والى أن نحصل على الإجابة , سوف يبقى السؤال دائما ماذا يراد لمصر فيما بعد الثورة ؟