يوم الاثنين المقبل الموافق الثاني من مارس لعام 2015 سيقوم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بزيارة إلى المملكة العربية السعودية ، هي الأولى رسميا بعد أسابيع قليلة من تولي الملك سلمان بن عبد العزيز المسؤولية لقيادة المملكة ، وكان أردوغان هو أسبق القيادات التي حضرت جنازة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في خطوة لافتة لحرص تركيا على تعزيز علاقاتها مع الدولة العربية المحورية في المنطقة والأكثر تأثيرا ، زيارة أردوغان معلنة منذ أسابيع ومرتب لها ، غير أن المفاجأة أن الملك سلمان دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة المملكة في اليوم السابق مباشرة لزيارة أردوغان ، حيث من المنتظر أن يحل السيسي ضيفا على خادم الحرمين الشريفين يوم الأحد الموافق الأول من مارس ، وفي مثل هذه الظروف يستحيل أن تبعد الارتباط بين الزيارتين وموضوعهما أو موضوعاتهما المشتركة ، هذا مفروغ منه ، لكن يبقى السؤال الأهم هو : هل يرتب العاهل السعودي لاجتماع تاريخي ومفصلي بين السيسي وأردوغان ، لأنه ليس من المتصور أن السيسي سيغادر صباح اليوم التالي ، ومن ثم فهناك ترجيحات بأن لقاءا ما قد يجمع الثلاثة : الملك سلمان والرئيسين السيسي وأردوغان . الحدث لا تكتمل صورته بدون رصد ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين ، حيث شهدت العاصمة السعودية لقاءات مفاجئة ومكثفة وغير معلنة تفاصيلها بين قيادات خليجية رفيعة ، ففي منتصف فبراير نفسه 15( فبراير) قام أمير الكويت بزيارة مفاجئة للمملكة على رأس وفد رفيع المستوى دون الكشف عن مضمون الزيارة وموضوعها ، باستثناء الإعلانات البروتوكولية المعتاد توزيعها على الوكالات الرسمية ، من تعزيز التعاون وبحث مشكلات المنطقة ، وفي اليوم التالي مباشرة ، أي في السادس عشر من فبراير جاء الشيخ محمد بن زايد القائد الحقيقي للإمارات في زيارة مفاجئة للمملكة كان معه وفد رفيع المستوى بما يشي بأن الموضوع أو الموضوعات المطروحة بالغة الأهمية والخطورة ، وفي اليوم التالي لزيارته أي في السابع عشر من فبراير جاء الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر في زيارة أيضا مفاجئة وكانت الأجواء التي نقلت فيها حميمية واضحة حيث جرت حفلات استضافة له في منتجعات خاصة بوزير الدفاع ونجل العاهل السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي ولي العهد الأمير محمد بن فهد ، وأيضا لم يعلن شيء عن موضوع الزيارة وما جرى النقاش فيه ، لأنه ليس من المتصور أن الشيخ تميم ذهب لقضاء نزهة في مزرعة أو منتجع ، ويلاحظ أن السعودية كانت حريصة على الاجتماع بالقادة منفردين في أيام متتالية وليس في اجتماع قمة يجمع الجميع في أي من أيام الأسبوع نفسه ، وهذا ربما يوحي بأن الرؤية السعودية كانت محددة وحاسمة وتم إبلاغ الجميع بها . وفي الأسبوع التالي لتلك الزيارات المفاجئة والمكثفة ، قام الملك عبد الله بن الحسين ، عاهل الأردن بزيارة مفاجئة أيضا للمملكة أمس الأربعاء ، ثم أعلن عن زيارة السيسي يوم الأحد وزيارة أردوغان المعلنة مسبقا بعده بيوم واحد يوم الاثنين . هذا المسار الذي يشي بأن ترتيبات مهمة وشديدة الحساسية قد تغير وجه المنطقة ، يجري الإعداد لها في الرياض ، يمكن أن نضيف إليها بعض الوقائع الفرعية ، من مثل الزيارة التي تسرب خبرها لوفد من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح "اخوان اليمن" إلى الرياض ، وهي أيضا زيارة مفاجئة وغير معلنة ولا يعرف موضوعها وتفاصيلها ، أيضا يضاف لذلك احتضان المملكة لمؤتمر ديني دعت إليه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة ، وهو المحسوب على الإخوان المسلمين ويرأسه الشيخ يوسف القرضاوي ، وهو المنظمة التي صنفتها الامارات رسميا بأنها إرهابية ، وقد شارك ممثلا للاتحاد الدكتور علي محيي الدين القرداغي ، الأمين العام ، أيضا يضاف في هذا السياق الاجتماع المفاجئ والاستثنائي وغير المعلن عنه الذي دعا إليه السيسي بصورة غامضة في قصر الاتحادية مع ثلاثة من أقطاب جماعة الإخوان السابقين ، مختار نوح وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي ، ومن الصعب أن يكون هذا الاجتماع المفاجئ والذي يعقده السيسي قبل زيارته للمملكة بثلاثة أيام ، من الصعب أن يكون خارج سياق ما يتم التفكير فيه . مجريات الأحداث وكثافة اللقاءات والحيوية الملحوظة للديبلوماسية السعودية تعطي الانطباع بأن المملكة تقود تحولات مهمة ولا تحتمل التأجيل في المنطقة ، ومسارات ليست بعيدة عن التسويات السياسية ، والقدر المتيقن فيها أن المعادلات التي حكمت الدور الخليجي تجاه الربيع العربي خلال السنوات الأربع الماضية لن تبقى كما كانت ، أما مدى التغير وحجمه فهو ما يصعب تحديده الآن ، خاصة وأن تقاليد السياسة السعودية تميل إلى التحوط والتكتم والعمل الهادي والصبور والبعيد عن الإثارة الإعلامية .