خبراء: توثيق الثورة بكتاب تاريخ الصف الثالث الثانوي جريمة أخلاقية وضياع لجيل بأكمله "ثورتا 25 يناير2011 و30 يونيو2013".. هذا هو العنوان الذي حمله الفصل الثامن من كتاب مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي؛ ليطرح الكثير من علامات الاستفهام حول هذا الأمر، فكيف توثق الثورة قبل انتهاء أحداثها؛ فيتناول الفصل الأحداث بدءًا من أسباب اندلاعها ووقائع الفترة الانتقالية حتى استكمالها في 30 يونيو. وتساءل البعض كيف سيتم تدريس تلك المناهج لطلاب فقدوا ذويهم جراء فض اعتصامي رابعة والنهضة، التي يصفها المنهج بإحدى نتائج ثورة على طريق الديمقراطية وتغليب مصلحة الشعب، وكيف سيتم التعامل مع رأي الطالب إذا كان مخالفًا لخارطة الطريق. ويتطرق الفصل الثامن من كتاب التاريخ الذي أثار الجدل بين مؤيد ومعارض، إلى الحديث عن مقدمات ثورة 25 يناير وتطوير وقائعها، والترشح لرئاسة الجمهورية ووصول جماعة الإخوان للحكم بتصدر المشهد وإظهار أنفسهم بأنهم مفجرو الثورة، حيث شدد الكتاب على أن السياسات التي اتخذها الإخوان في الحكم لم تقدم أي حلول للمشكلات التي يعانى منها الشعب؛ بسبب ممارسات السلطة بنفس سياسات الحكومات السابقة، مما أدى إلى حدوث ثورة 30 يونيو، والتي جاء على إثرها الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بالإخوان من منطلق إحساسه بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب، وتطرق الكتاب أيضًا للحديث عن فض اعتصامي رابعة والنهضة دون التطرق إلى وقوع الآلاف من الضحايا جراء هذا الفض. ويختتم الكتاب حديثه عن الثورتين بأنه قد بدأت صفحة جديدة في تاريخ مصر الحديث ووضع مصر على الطريق الصحيح لتطبيق الديمقراطية وتغليب مصالح الشعب وتحقيق التقدم والنماء والرفاهية. تاريخ كاذب وزائف حاورت "المصريون" مجموعة من طلاب الصف الثالث الثانوي لمعرفة آرائهم في الفصل الجديد الذي تمت إضافته لمادة التاريخ، مؤكدين أنهم بمعاصراتهم للأحداث توجد مغالطات كثيرة في هذا الفصل تصل لحد الكذب والافتراء. وتقول "م" طالبة في الثانوية العامة: "إنها غير مقتنعة بهذا الفصل، مؤكدة أنها رأت الكثير من الظلم سواء في الاعتقالات وغيرها، فكيف يمكن أن تدرس مادة فيها تشجيع على القتل والاعتقال واعتبار أن هذه هي حقائق تاريخية، خاصة أن هناك جزءًا كاملاً عن فض النهضة ورابعة والتي راح ضحيتها المئات من المصريين، فكيف يمكن أن أجيب عن سؤال مثلا ما رأيك في ثورة 30 يونيو أو ما ترتب على أحداث الفض ؟، متسائلة كيف أجيب عن هذه الأسئلة؟". وأضافت الطالبة: "إننا جميعًا غير مقتنعين وأن المدرس نفسه عندما رأى هذا الفصل رفض شرحه وقال اقرءوه وأجيبوا عن أسئلته فماذا أشرح؟ وهى تعد جريمة أخلاقية في حق هذا الجيل". وتوافقها في الرأي الطالبة "رضوى" وتقول: "أرفض أن أدرس هذا الفصل من التاريخ فأرى أن الثورة لم تكتمل بعد حتى الآن وأن الفساد لا يزال موجودًا". وتتساءل رضوى: "لم العجل في كتابة هذا الجزء من الأحداث ولماذا يجبرونا على دراسة شيء منقوص". "أبي مات وأخي معتقل".. هكذا قالت الطالبة "ع" مؤكدة أنها لن تستطيع قراءة سطر واحد من هذا الفصل لأنها تعلم جيدًا أن به الكثير من المغالطات وأن الاتهامات الموجهة للجماعة غير صحيحة لأنها عاصرت الأحداث بنفسها وتعلم ما حدث". فيما أشارت "هند" طالبة بالثانوي إلى أن هذا الفصل أثار الكثير من الجدل والعراك بين الطلبة داخل سور المدرسة بسبب انتماء بعض أهاليهم للجماعة والبعض الآخر للسيسي وتوجيه كل طرف الإهانة واللوم على الآخر. أما ريم محمد الصالحي فتخالفهم الرأي وتبدي إعجابها بالفصل الخاص بثورتي 25 يناير و30يونيو من منطلق أنها عاشت الأحداث لحظة بلحظة ومن السهل عليها مذاكرتها. وتقول ريم: "كل المنهج مالوش لازمة بالنسبة لي وصعب مذاكرته ولكن حينما يأتيني سؤال في الامتحان عن ثورتي يناير ويونيو فستكون إجابة سهلة بالنسبة لي". وتوافقها زميلتها "دعاء" في الرأي بأنها سعيدة لأنها تدرس واقعًا عاشته وتستطيع أن تجيب عنه في امتحان بكل سهولة. أما الطالبة "س" أشارت إلى أنها مقتنعة بما جاء في هذا الفصل، قائلة: "عاصرنا هذه الأحداث وأرى أنها حقيقية ولا يوجد بها مغالطات كثيرة". من جهته يرى أستاذ أحمد سمير، مدرس تاريخ ثانوي: "أن دراسة هذا الفصل ستكون سهلاً على الطلبة لأنهم عاشوا هذه الأحداث"، معتبرًا أن الفصل يتحدث عن حقائق دون مبالغة. أما عادل السيد، مدرس ثانوية يرفض تدريس هذا الفصل من المنهج رفضًا تامًا، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع أن يخدع الطلبة بهذه المغالطات. ضياع لجيل بأكمله ويصف المؤرخون هذا الأمر بالخطير حيث إنه من المفترض أن يتم توثيق التاريخ بعد مرور 50 عامًا على الأحداث، هذا بالإضافة إلى بعض الشروط التي يجب توافرها في موثق التاريخ ومن بينها عدم انحيازه لأي من أطراف الأحداث. وعلق الدكتور رأفت النبراوى، أستاذ الآثار الإسلامية، على إدراج أحداث ثورة يناير في كتاب الصف الثالث الثانوي قائلا: "لا خلاف على ثورة يناير لأنها ثورة بكل مقوماتها ولكن لا يمكن أن تكتب الآن لأن الأمور غير موضحة، كما أن الثورة إلى الآن لم تحقق أهدافها وهى عيش حرية وعدالة اجتماعية والتي لم يتحقق منها شيء، والتي تعد هي مقياس للظلم فيما يحدث لذا فلا يمكن كتابة تاريخ من دون أي دلالات على الأحداث والتي لم تتضح إلى الآن". وأكد النبراوى "أن هناك مغالطات كثيرة في كتب التاريخ التي تدرس في المدارس وعلى استعداد كامل لإخراج الأخطاء التاريخية الموجودة التي من شأنها إضاعة جيل بأكمله"، مضيفًا أن ما يحدث هو مجرد توجيه للجيل الجديد لأحداث معينة غير مؤكدة لأغراض ما. وعن الشروط الواجب توافرها في موثق التاريخ، أكد النبراوي أن من يكتب التاريخ في المدارس الإعدادية والثانوية في مصر غير مؤهل على الإطلاق، موضحًا "أن الاختيار يأتى بالمحسوبية والرشوة، ولا يوجد أحد فيهم على علم بالتاريخ، كما أن مَن يكتب التاريخ الآن ليس محايدًا ولا توجد أمانة في توثيق الأحداث". وأضاف: "يجب أن يكون موثق التاريخ محايدًا لا يتبع تيارًا معينًا، حتى لا يؤثر على كتابته للحقائق التاريخية، ثم يكتبه بنفسه على أن يكون معاصرًا للأحداث". إرهاصات وليس تاريخًا من جهته، أكد الدكتور عبدالمنعم الجميعى، أستاذ التاريخ الحديث، في نفس السياق، أن ثورة يناير ثورة شعبية بمعنى الكلمة إلا أنه تم ركوبها من الإخوان ومن بعض الجهات الأجنبية وغيرها، على الرغم أن الثورة جاءت رفضًا لفكرة التوريث، و30 يونيو كانت استكمالاً لثورة يناير حتى نصل إلى الاستقرار الكامل في البلاد. وأضاف الجميعى: "أن كتابة التاريخ يجب أن تكون مرت عليها فترة من الزمن، تقدر بخمسين عامًا بعد الأحداث وأن هناك تسرعًا في كتابة هذه الأحداث، لأن هناك أمورًا وقضايا لم تحسم بعد، خصوصًا ما تنظر أمام القضاء، كما أن التاريخ يتم جمعه من كل الأطراف وليس من وجهة نظر واحدة ولكن من مختلف الآراء، سواء المعارضة أو المؤيدة، ومما كتب في الصحف أو جاء على شبكة التواصل الاجتماعي أم ما جاء في كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي فهو لا يمكن تسميته بكتاب تاريخ ولكن ممكن تسميته بكتاب تربية وطنية، أو أي مسمى آخر بعيدًا عن التاريخ ". وأضاف: "علينا قبل أن يكتب التاريخ مراعاة أن يأخذ بكل أشكال وطرق جمعه حتى يكون له مصداقية، وأن ما يكتب الآن هو مجرد إرهاصات ليست بتاريخ".