يعاني شعب جنوب السودان، أوضاعا كارثية وظروفا إنسانية صعبة من جراء تبعات النزاع المسلح الذي يمزق الدولة الأفريقية الوليدة منذ ديسمبر من عام 2013، ما اضطر العديد من الأطفال للعمل بغية مساعدة ذويهم، وكذلك توفير نفقات الدراسة. على الرغم من بدء العطلة الدراسية، ينهض تشارلز سبيت لوكول (11 عاما)، كل صباح في حوالي السادسة، وفي غضون أقل من ساعة، ينبغي أن يخرج إلى الشارع حاملا زوجين من النعال وحقيبة تحتوي علب ورنيش الأحذية والفرش. "لم أكن أرغب في ذلك، ولكن والدتي قالت لي أن أقوم بهذا العمل من أجل مساعدة الأسرة".. هكذا استهل حديثه لوكالة الأناضول "لوكول" الذي كان يجلس خارج مقر المحكمة العليا في جوبا. و"لوكول"، هو الابن الثاني لأسرة تضم أربعة أطفال، تربيهم أم وحيدة تعمل في غسل الأطباق في فندق جوبا، عجزت عن توفير ما يكفي لسد رمق أسرتها، فأرغمت "لوكول" على مساعدتها. وقال الفتى: "أمي اشترت لي فرشاة، وعلبتين من الورنيش الأسود والبني لتلميع الأحذية، وزوج من النعال للعملاء (ينتعلونه حين يخلعون أحذيتهم لتلميعها)". وفي بداية اليوم يجلس الفتى في محله خارج المحكمة في وسط مدينة جوبا لخدمة العملاء الذين يحتاجون إلى تلميع (أحذيتهم) بعد المشي الطويل على طول الشوارع المغبرة. وأضاف: "أتنقل إلى أماكن كثيرة، حتى يمكنني أن أتحصل على الكثير من المال قدر الإمكان". ويتكلف تلميع زوج الأحذية اثنين جنيه جنوب سوداني (0.35 دولار)، وبعض الزبائن يدفعون أقل. ومضى الفتى في سرد تفاصيل معاناته: "يقول لي بعض الأشخاص بعد أن أنتهي من تنظيف أحذيتهم، إن جنيهين أكثر من اللازم بالنسبة لطفل، ويدفعون جنيها واحدا فقط (0.18 دولار)". وتابع: "أحيانا أحصل على 20 أو 30 جنيها جنوب سوداني في اليوم واحد"، ولكنه في الأيام الصعبة يكسب 15 جنيها أو أقل. ومضى قائلا: "أكل الأرز والفاصوليا مقابل 3 جنيهات، لأنها رخيصة واستخدم جنيهين لأجرة المواصلات للعودة إلى منزلي". وزاد بالقول: "أعطي كل الأموال التي أحصل عليها إلى والدتي التي تشتري بها لي أيضا الكتب والأقلام. والأسبوع المقبل عندما تبدأ الدراسة، سوف أتوقف عن هذا العمل". و"لوكول"، واحدة من بين العديد من أطفال جنوب السودان الذين يعيشون في ضواحي جوبا، ويترعرعون في كنف أسر تعاني من صعوبات اقتصاديا. مثله، يتوافد العديد من الأطفال إلى وسط مدينة جوبا كل صباح للعمل في مهن متواضعة، وتشمل تلميع الأحذية، وغسيل السيارات وتوقيف سيارات الأجرة، من بين مهن أخرى. وتقدر منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف"، وشركاؤها المحليون أن 400 ألف طفل تسربوا من التعليم من جراء الأزمة المستمرة في جنوب السودان. وعلى غرار مواطنه، يعمل في تلميع الأحذية بشوارع العاصمة، جون باتريك مودي، (11 عاما)، الذي ولد لأبوين عاطلين في "غوديل"، وهي إحدى ضواحي مدينة جوبا. وأجبر "مودي" على العمل لأن والديه لا يمكنهما تلبية احتياجاته، التي تشمل دفع رسوم مدرسته، ليلحق بشقيقيه الذي يبيع أحدهما المناديل. وقال "مودي" في حديث لوكالة الأناضول: "الجميع كانوا يشعرون بالجوع في منزلي، لذلك قررت أن أبدأ هذا العمل وتلميع الأحذية". وأضاف "أحيانا أتحصل على 40 جنيها و50 جنيها في اليوم الواحد، ويمكنني استخدام المال لمساعدة عائلتي". وتابع: "والداي لا يعملان وبعض من هذه الأموال يستخدمونها في الإنفاق على دراستي، ونخن ندفع حوالي 150 جنيه في العام، وأنا دفع رسوم مدرستي". وعلى غرار "لوكول"، أشار "مودي" إلى أنه يعمل فقط خلال عطلات الأعياد، وأوضح أنه إذا بدأت المدرسة، سوف يتوقف عن العمل. أما "واني لادو" (10 أعوام)، فقرر أن يترك والديه في قرية "تركاكا"، التي تبعد حوالي 50 كلم من المدينة ويعيش مع عمته في جوبا. ورغم أنه يتخذ محلا له في سوق بيع الوجبات السريعة المزدحم في" هاي ملكال" في جوبا مع مجموعة من أقرانه، فما زال جديدا في مهنة تلميع الأحذية. وفي حديث لوكالة الأناضول، قال لادو": "لقد بدأت للتو تلميع الأحذية ولكنني سأواصل القيام بذلك، لأنني في حاجة إلى المال لمساعدتي". وأضاف: "عمتي قدمت أوراقي في المدرسة، وإذا بدأت الدراسة، سوف أذهب إلى المدرسة في الصباح وأعمل في فترة ما بعد الظهر". وجنوب السودان، دولة وليدة انفصلت عن السودان عبر استفتاء عام 2011 بعد واحدة من أطول الحروب الأهلية في أفريقيا، وتشهد منذ منتصف ديسمبر 2013، مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لريك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير ميارديت، بعد اتهام الرئيس لمشار بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري، وهو ما ينفيه الأخير. وفي مطلع فبراير ، وقّع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، الذي ينتمي لقبيلة الدينكا، ونائبه السابق ريك مشار، الذي ينتمي لقبيلة النوير، اتفاقًا مبدئيًا في أديس أبابا، ل"تقاسم السلطة ووقف كافة العدائيات" لإنهاء الأزمة الدائرة في بلدهما منذ أكثر من عام، على أن تستأنف المفاوضات بين الطرفين لاستكمال القضايا التفصيلية للاتفاق النهائي في 20 فبراير.