عمليات الاستثمار شديدة الحساسية للمخاطر بصفة عامة، والسياسية منها بصفة خاصة، لكن انطلاقًا من القاعدة الأصيلة "يفوز باللذات كل مغامر" هناك نوع من المستثمرين يتقنون تمامًا فن خوض المخاطر، حيث ترتفع معدلات الربح المتوقعة إلى مستويات قياسية مقارنة بالدول المستقرة. وفي المناطق المستقرة، ثمة من يبحثون عن المخاطر وأرباحها فتجد المتخصصين في شراء الشركات والمؤسسات المفلسة والمتعثرة ، حيث يرون فيها ما لا تستطيع عقول آخرين إدراكها. هذه الحالة تندرج تمامًا الآن على منطقة الشرق الأوسط ، فعلى الرغم من أنها تموج بالاضطرابات فمازالت محط أنظار المستثمرين. "الاستثمار متاح في أي وقت لأصحاب التطلعات"، هكذا يجيب عدد من الخبراء المتخصصين الدوليين في مجال المال والأعمال على تساؤل حول كيف يمكن لدول الشرق الأوسط أن تستثمر في الواقع السياسي والإقتصادي الصعب الذي تعيشه حالياً؟. وقال الخبراء في تصريحات لوكالة الأناضول على هامش حضورهم لمؤتمر "الشرق الأوسط للاستثمار" الذي استضافته الكويت يوم الثلاثاء الماضي إن عددا من دول الشرق الأوسط وتحديداً " الدول الخليجية " تعتبر دولا مصدرة للاستثمارات، بينما دولا شرق أوسطية أخرى هي دول مستقبلة وتتشوق لاستقبال الاستثمارات، لكن هناك فجوة حقيقية وكبيرة بين الدول المصدرة والمستقبلة فيما يتعلق بالتنسيق لتبادل المنفعة. وقال المسؤول التجاري الاول في السفارة الأمريكيةبالكويت داو لي إن البنك الدولي يطرح كل عام تقرير مفصل وواضح عن سهولة الأعمال يحدد فيه نقاط الجذب والضعف والقوة في كل البيئات الاستثمارية في العالم. وأضاف لي قائلاً: على دول الشرق الأوسط ان تستخدم تلك البيانات بشكل أفضل وأن تحللها بمزيد من الدراسة والتعمق، لكي تعرف وجهاتها الأفضل للاستثمار وأين تكمن أفضل الوجهات المستهدف جذبها إليها؟. ومن جانبه قال رئيس جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الكويت رفيق حافظ إن منطقة الشرق الأوسط لا تزال جاذبة للإستثمار رغم بعض الاضطرابات السياسية والإقتصادية التي تجتاح بعض دولها ، موضحا أنها تزخر بالموارد الطبيعية والقطاعات الجيدة التي تلفت أنظار المستثمرين الخارجيين. وبين حافظ الذي نظمت جمعيته مؤتمر "الشرق الأوسط للاستثمار" أن الهدف من المؤتمر هو جذب استثمارات بينية متبادلة بين دول المنطقة، مشيراً الى أن المال والأعمال يتواجدان بالمنطقة، لكن يبقى التنسيق لجمعهما تحت مظلة واحدة. وقال حافظ : المخاطر جزء من الاستثمار، وغالبية المستثمرين باتوا يفضلون البيئات الخطرة على ما سواها لتعاظم عوائدها. وحول تراجع النمو بالمنطقة الأوربية الشريك الأكبر للمنطقة العربية وتأثيره على دول المنطقة قال حافظ : لا أعتقد أن دول منطقة الشرق الاوسط تعوَل كثيرا على المنطقة الاوربية وأمريكا في الإستثمارات التي تستهدفها، مشيراً الى ان غالبية دول المنطقة ترى في المنطقة الاسيوية منفذا استثماريا وتجاريا متبادلاً في الوقت الحالي والمستقبل حاليا". وأوضح حافظ أن دول اسيا هي أكبر مستورد للنفط والغاز من المنطقة العربية، كما أنها تعد حاليا الأكثر إستثمارا في الشرق الأوسط، خاصة في القطاعات النفطية، والأكثر جذبا لإستثمارات المنطقة العربية في ذات الوقت. وبين حافظ أن أكثر القطاعات جاذبية في الشرق الأوسط حالياً هي قطاعات السياحة والضيافة ، والبنية التحتية، والموارد الطبيعية والأسهم فضلا عن السلع الأساسية، والمعادن الثمينة، والعقارات. بدوره قال المحلل المالي لدى شركة كامكو الكويتية للإستثمار ( إحدى أكبر الشركات الإستثمارية في الكويت) رادييبف شانجراون إن منطقة الشرق الأوسط لازالت تحتوي على العديد من الفرص الإستثمارية الجيدة والجاذبة للشركات الأوربية والأسيوية. وأضاف شانجراون أن الفرص الاستثمارية في كثير من دول المنطقة لا تزال تحمل أفاقا واعدة للمستثمرين، مبينا أن انخفاض أسعار النفط سيفتح المجال للإستثمار في قطاعات أخرى مثل البنية التحتية وغيرها. وقال شانجراون ردا على سؤال حوا ما اذا كان انخفاض أسعار الموارد الرئيسية لدول المنطقة سينعكس سلبا عليها في المستقبل بالقول: " لا أعتقد ذلك، في حال اتخاذ الخطوات القادمة بشكل جيد، وتنويع مصادر الدخل ،وتقليل الاعتماد قدر الإمكان على السلع المتقلبة مثل النفط والغاز وغيرها". وبين شانجراون أن الوضع المتراجع للسوق الأوربية والأمريكية سيدفع مستثمري تلك الدول نحو الشرق الاوسط الذي بدأ يفرز فرصاً أكثر ربحية وأقل تكلفة. وفي سياق متصل قال رئيس غرفة التداول ومركز الدراسات الاسلامية بمعهد( BIBF البحرين للدراسات المصرفية والمالية) هاني رضا إن وضع الاستثمارات في المنطقة سيكون مختلفا عقب التراجعات الكبيرة في أسعار النفط ، إذ سيكون لها تأثير سلبي، وذلك لأن المنطقة أصبحت أقل جاذبية في الاستثمار بدون الإنفاق الحكومي. وبين أن الفرص المتاحة في المنطقة حاليا تتركز في القطاعات الإسكانية نظرا للطبيعة الديموغرافية في المنطقة وهذا يعني أيضا أنه سيكون هناك الكثير من الفرص للشركات بهدف الاستثمار لخدمة السكان المحليين، وبهذا سيكون هناك بقاء استثماري قوي للشركات الاجنبية والمحلية في هذا الجانب، ولكنه أقل من ذي قبل، خاصة في حال عدم ارتفاع سعر النفط مجددا. وعلى صعيد ذي صلة قال مدير تطوير الأعمال بشركة مباشر للتداول زياد العالول إن دول الشرق الأوسط ليست متشابهة في طبيعتها الاستثمارية، فالخليج مثلا وضعه جيد حتى مع انخفاض النفط، بسبب الفوائض المالية التي حققتها دوله إبان ارتفاعات النفط القياسية، لذا فدول الخليج ستستمر بنفس الوتيرة من حيث النمو خلال الفترة المقبلة. وتابع العالول أن باقي دول الشرق الأوسط غير المنتجة المصدرة للنفط مثل مصر مثلا استفادت من تراجع اسعار الطاقة حيث خفضت من فاتورة الاستيراد. وبين العالول أن انخفاض النمو في الولاياتالمتحدة وأوروبا سينعكس إيجابا وليس سلبا على دول الشرق الأوسط ، إذ سيخفض بدوره كلفة الاستيراد على الدول العربية المستهلكة لسلع كثيرة أمريكية وأوروبية. وحول تأثير الأوضاع السياسية في المنطقة على الوضع الإقتصادي لها قال العالول : بالطبع أثرت الاضطرابات السياسية على الدول العربية من الناحية الاقتصادية، لكنه يتوقع ألا تكون قوية وممتدة. وحول أفضل وجهات الاستثمار لحكومات وشركات الشرق الأوسط، قال العالول " أفضل الوجهات بريطانيا وتركيا والامارات والولاياتالمتحدة والسعودية والأردن".