لا يخرج تصريح الرئيس الروسي بوتين الذي أطلقه في القاهرة أمس عن أن روسيا تتطلع إلى حل سياسي للأزمة السورية وأنها ستستضيف جولة ثانية من المفاوضات بين المعارضة السورية ونظام الأسد قريبا عن إطار الكلام العامّ الذي يقال في المؤتمرات الصحافية لكنه يقدّم مناسبة للحديث عن وقائع الوضع السوري وعلاقته المعقّدة مع السياسة الخارجية الروسية العامة. ومجيء التصريح قبل يوم واحد من لقاء بوتين بعد عودته إلى الكرملين مع زعماء فرنسا وألمانيا وأوكرانيا ل»بحث اتفاق جديد لوقف إطلاق النار» في أوكرانيا، يوفر مناسبة أيضاً للحديث عن الطريقة التي يتعامل بها العالم مع روسيا بالعلاقة مع ما يجري في سورياوأوكرانيا.وفق القدس العربى تتجابه روسيا مع أوروبا والغرب بشكل مباشر على الأرض الأوكرانية، وهو ما يكبّدها من ناحية خسائر مباشرة، ولكنّه يطلق يدها في السيطرة على كتائب الانفصاليين الموالين لها، أما في الحالة السورية فهي تتشارك في إدارة الأزمة مع طرف أعلى يداً على الأرض منها هو إيران، وهو ما يفتح المشهدين على مفارقات وتشابهات مفيدة. تتعامل روسيا مع الأقليات الروسية المنتشرة في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق باعتبارها أحصنة طروادة التي يتم تفعيلها كلّما تجرأت إحدى هذه الدول على التمرّد على نفوذ الكرملين، وهو ما حصل في جورجيا التي خسرت بعد حرب مع روسيا مقاطعتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية عام 2008 وهي السابقة التي تستند إليها روسيا حالياً في نزاعها مع أوكرانيا، فبعد خروج أوكرانيا من دائرة نفوذها احتلّت شبه جزيرة القرم عسكريا وهي تستخدم اليوم المقاطعات الموالية لها لإعلان جمهورية متحالفة ومعارضة للحكومة الأوكرانية. واستخدام روسيا للأقليات الروسية يقارب عملياً استخدام حليفتها إيران لبعض الأقلّيات في العالم العربي، كالشيعة في العراق ولبنان وسورياوأفغانستان والبحرين والسعودية، والحوثيين الزيديين في اليمن، وكما تتحدث روسيا عن حالات «تطهير عرقي» و»إبادة» وقتال «الفاشيين» في أوكرانيا وغيرها تتحدث إيران وجماعاتها عن «استهداف الشيعة» و»الدفاع عن المراقد المقدسة» وقتال «التكفيريين». وكما تراخت أوروبا والولاياتالمتحدة في مواجهة السيطرة العسكرية الروسية على أبخازيا واوسيتيا وشبه جزيرة القرم والمناطق الانفصالية في أوكرانيا، كذلك فعل الغرب في مواجهة التحالف الإيرانيالروسي في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وفيما كان التمويل والتسليح ينهمر على حلفاء روسياوإيران في أوكرانياوسوريا، تعامل الغرب بتضييق ماليّ وعسكري على المعارضة السورية المعتدلة. ينعكس الإقدام والدهاء والديناميكية الروسية والإيرانية، واستخدام الأوراق العديدة التي تملكانها، كالغاز والنفط والأقلّيات، وإمكانية خلخلة التوازنات السياسية في العالم، تقدّما متواصلاً في تحقيق أهداف موسكو وطهران العسكرية والسياسية على الأرض فيما يعكس إصرار الغرب على عدم وجود حلول عسكرية للنزاعات مع روسياوإيران، والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية، ومنع الأسلحة النوعية من الوصول إلى الحكومة الأوكرانية والمعارضة السورية المعتدلة إلى تراجع مطّرد ومستمر للوزن السياسي للغرب، ويساهم، بشكل كبير، في نموّ تيّارات التطرف التي تعتبر ما يجري في العالم حروباً دينية ومذهبية. قال أوباما أمس إن «المجتمع الدولي» لن يسمح بإعادة رسم حدود أوروبا من جديد، وهو قول تكذّبه وقائع ابخازيا واوسيتيا وشبه جزيرة القرم، أما الإجراءات التي تواجه بها أمريكا وأوروبا روسيا فتهزأ عملياً من هذا القول. يمكن فهم موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا المتراجعتين على إثر نتائج الفشل الهائل لحربيهما في أفغانستانوالعراق، واللتين أمّنتا عودة جبّارة لروسياوإيران إلى الساحة الدولية، غير أن حصاد روسياوإيران لانتصارات جديدة في اليمن وأوكرانيا وجغرافيات أخرى قادمة سيرسل إشارات سلبية حول إمكانية استمرار الاتحاد الأوروبي، ومع دخول الصين، التي أصبحت أكبر اقتصاد في العالم (17.6 تريليون دولار)، إلى المشهد، سيكون تحالفها مع روسياوإيران مقدمة لتغيير غير مسبوق في سياسات العالم، وربما يكون أيضا، سبباً لنزاعات غير مسبوقة.