من المؤكد أننا فى حاجة ملحة هذه الأيام إلى التذكرة ببلوى كبرى يقع فيها كثير من الناس ،فتقودهم إلى الخسران المبين فى الدنيا والآخرة ،وهى الشهادة الزور ،وخاصة أمام القضاء. ومن مظاهرها كذب الشهود أمام القاضى ،وكذلك ما يقوم به بعض المحامين من التلبيس على القاضى زورا وبهتانا وإلباس الحق بالباطل ،لإفلات مجرم من العقاب وما يقابله من ضياع حق المجنى عليه وذويه . إن كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق هذه من العلامات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي ستكون بين يدي الساعة ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق " وشهادة الزور هي الكذب المتعمد في الشهادة لإبطال الحق، وكذلك كتمان الشهادة لإبطال الحق ، وهذه من العلامات التي تكون بين يدي الساعة وقد وقعت الآن بمثل ما أخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، كثرت شهادة الزور وقلت الشهادة لإظهار الحق وكتمت . ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضى الله عنه قال كنا عند رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام : " الإشراك بالله " وتلي هذه الكبير كبيرة العقوق الإشراك بالله " وعقوق الوالدين " وكان متكئا – بأبي هو وأمي - فجلس ثم قال : " ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت) . شهادة الزور كبيرة وخطيرة، فهي الكذب المتعمد وتستطيع بمبلغ من المال قل أو كثر بحسب حجم الشهادة وخطر القضية ، أن تستأجر رجلا ممن ينتسبون إلى الإسلام أمام محكمة من المحاكم ، ليقف أمام القاضي ليشهد زور وهو يعلم يقيناً أنه كاذب، وأظن أن كلامي هذا ليس فيه ذرة من المبالغة ولا من تضخيم الأخطاء ، بل هذا واقع نعلمه ويعلمه كل منصف صادق. يتقدم الرجل ليقول له القاضي : قل والله العظيم أقول الحق فيقول : والله العظيم أقول الحق ، يقسم بالله العظيم أنه سيقول الحق ويؤدى هذا القسم و هذه الشهادة وهو يكذب بل و يعلم يقينا أنه كذّاب ،وهذا هو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في نار جهنم . ولخطر هذه الشهادة – شهادة الزور وكتمان شهادة الحق – قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك بالله وبعقوق الوالدين فقال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله وعقوق الوالدين " ثم تأتي شهادة الزور. والله تبارك يقول في كتمان شهادة الحق ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة/283) ، ومن ثم فإن دُعيت إلى الشهادة فاشهد بالحق ، ولكن إن تقدمت إلى الشهادة فاشهد كما لو أنك ترى الشمس في رائعة ، أو في رابعة النهار ، ولا تشهد دون أن تكون متأكدا من صحة ما تشهد به ، ولكن اشهد على الحق الذي رأيت بعينك والذي سمعت بأذنك ، ولا تقل بلغني كذا أو سمعت عن فلان كذا وكذا ، لا وإنما إن ُطلبت للشهادة فلا تكتم الشهادة ، إن رأيت بعينك أو سمعت بأذنك على مثلها فاشهد كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وإن كتمت الشهادة فإن كتمان الشهادة دليل على ضعف الإيمان في القلب وضعف اليقين في القلب (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) وأنا أقول لكم بكل أمانة : ما وقعنا في هذا الواقع المزري المر الأليم إلا بسبب كتمان شهادة الحق فلو أن كل مسلم من المسلمين الآن شهد شهادة حق لبدل الله وغير الله هذا الواقع ، لكن هذا يجامل ، وهذا يجامل ، فيضيع الحق بين هذه المجاملات الكاذبة على حساب الحق أو على حساب دين الله جل وعلا . فأرجو أن ننظر إلى كتمان شهادة الحق نظرة شاملة واسعة، إذ أن شهادة الحق لا تقتصر على مجرد أن تكون شاهداً في قضية من القضايا ، أو في محكمة من المحاكم ، بل إنها الخيانة الكبرى أن ترى المنكر وأنت تعلم أنه منكر ، ولا تشهد شهادة الحق،و من الخيانة الكبرى أن ترى الشرك الغليظ وأن تسمع كلماته الخبيثة ، وأن ترى أفعاله الشنيعة وأن تكتم شهادة الحق التي تعلمها من قرآن ربك ومن سنة نبيك ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (لأنفال/27) (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ( البقرة/283) من يكتم شهادة الحق فإنه آثم قلبه . إن رأيت شركاً فذكّر وحذّر ، إن رأيت ظلماً فذكّر وحذّر إن رأيت المعصية فذكّر وحذّر ، هذه وظيفتك لكن لا تكتم شهادة الحق أبدا . أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من الصادقين ممن لا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا حقير "ستكون فتن بين يدي الساعة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " ،يشهد شهادة زور بعرض من الدنيا فيبيع بها الدين يكتم شهادة الحق لعرض من أعراض الدنيا إنه خائف على الكرسي ، أو خائف على المنصب ، أو خائف على أن تضيع وجاهته أو خائف على أن تهتز مكانته بين أهل الجاه والسلطان أو أهل المال فيجامل على حساب الحق (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) . إن الشهادة الزور يمتد أثرها السيئ إلى الأولاد ،فقد قال تعالى فى سورة النساء: " ( وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً( ،وأما قول الحق ابتغاء مرضات الله فيمتد اثره أيضا إلى الأولاد ، فقد قال تعالى فى سورة الكهف : " وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ". وأخيرا نهدى الآيات التالية إلى محامين السوء: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108( هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110 ) النساء. صدق الله العظيم . رئيس حزب الأصالة