ما حدث أمس من محاولات لاقتحام السفارة الإسرائيلية كان خطأ سياسيا ، وأما محاولات اقتحام وزارة الداخلية فهو جريمة سياسية ، وبالمقابل فإن التفكير في إمكانية محاصرة وسائل الإعلام والضغط عليها تحت أي مبرر كان هو خطأ سياسي فادح ، وأما قرار إحالة المقبوض عليهم أمام السفارة الإسرائيلية إلى محاكم أمن دولة طوارئ ، وهي أسوأ من العسكرية لأن حكمها بات ، فذلك نكوص صريح عن وعود الإصلاح ومحاولة لإعادة عجلة البلاد إلى الوراء . كانت غالبية القوى الوطنية قد ابتهجت أمس بنجاح مليونية تصحيح المسار وسلميتها ، والتزم المنظمون فعلا بإخلاء ميدان التحرير في نهاية التظاهرة ، ولكن ما حدث بعد ذلك أمام السفارة الإسرائيلية وما حولها من مديرية أمن الجيزة ، وكذلك عند وزارة الداخلية بوسط القاهرة كان مثيرا للغرابة ، وهناك شواهد واضحة على أن بعض من كانوا بالتحرير شاركوا في الهجوم على السفارة الإسرائيلية ، وهناك معلومات مؤكدة أيضا بأن بعض من شاركوا في تلك الأحداث لا صلة لهم بالثورة وأنهم أقرب إلى فلول النظام السابق ورموزه الأمنية والسياسية وبعض ما صدر عنهم من كلمات وسلوكيات أشبه بسلوك البلطجية ، وفي المجمل فليس هناك شك في أن حالة السيولة الأمنية والسياسية الآن تجعل كل الاحتمالات واردة ، وتمنح كل اللاعبين بالحق أو الباطل الفرصة للمشاركة وتوجيه دفعة بعض الأحداث ، وبلا شك أن حالة التردد والانقسام الكبير في الموقف من أحداث السفارة بين القوى الوطنية بما في ذلك قوى الثورة الرئيسية ، يعني أن هناك شكوكا في تلك العملية ومبرراته ومن فجرها ، ولا يمكن أبدا أن نستبعد أصابع فلول نظام مبارك من تلك العملية ، لأنهم يعرفون جيدا ما هي الضربة التي تحرج المجلس العسكري بقوة أمام العالم . المجلس العسكري الذي أبدى غضبه من أحداث السفارة ، كان عليه أن يبدأ تحقيقه من رئيس وزرائه نفسه الذي سبق وأن كرم أحد الشباب الذين اعتلوا مبنى السفارة وأنزل العلم الإسرائيلي ، بما يعني أن "الحكومة المصرية" رسميا باركت مثل هذه الأعمال وشجعت عليها ، وكذلك هناك مسؤولون رسميون كبار قرروا مكافأة من فعل ذلك بمنحه شقة ووظيفة ميري ، وهو محفز رائع لكي يحاول آخرون الحصول على شقة ووظيفة ميري ، وكل ذلك مجرد مزايدات حكومية تكشف عن اضطراب وهزال سياسي ، ولو أراد عصام شرف وهؤلاء المسؤولون أن يرضوا الشعب المصري فهم يعرفون ما الذي يرضيه ، وهو تحمل مسؤولية اتخاذ قرار "رسمي" شجاع بالطلب من السفير الإسرائيلي بمغادرة البلاد واستدعاء السفير المصري وتجميد العلاقات بعد العدوان المستهتر والإجرامي على ضباطنا وجنودنا قبل أسابيع ، أما هذا التخبط ، الذي يحفز الشباب الثائر على محاصرة السفارة والإضرار بها ويزايد على ذلك ، ثم نحاكمهم بعد ذلك لأنهم يفعلون ذلك ونقدمهم لأسوأ نوعية من المحاكم في تاريخ مصر ، فذلك عبث سياسي ومؤشر لاضطراب خطير . المجلس العسكري يشتكي من الانفلات وعدم تقدير المسؤولية ، كما يشتكي من تحريض بعض القنوات الفضائية ، وربما كان محقا في بعض ذلك وقد استنكرنا ذلك مرارا ودافعنا عن المجلس ، ولكن على المجلس أن يدرس بشكل عاجل وصادق مع النفس ، أسباب تراجع الثقة به وبقراراته في الأسابيع الأخيرة ، وعلى كل المستويات ، ومن جميع القوى السياسية بلا استثناء ، هناك إحساس سلبي بدأ يتسرب إلى المصريين بأن باطن المجلس العسكري لم يعد كظاهره ، وأنه ربما كانت هناك أجندات أخرى يتم ترتيب الأوضاع السياسية وفقها ليست هي التي تم الاتفاق عليها واستفتي الشعب على أساسها ، كما أن هناك قرارات وإجراءات يتم اتخاذها من قبل المجلس العسكري فيها نوع من التعالي على القوى السياسية وتتجاهل أي حوار وطني معقول حولها ، مما يؤدي إلى مفاجأة القوى السياسية به ، رغم أنه كان من السهولة تفادي ذلك الاضطراب لو احترمنا قوى الوطن الحية . سلبيات ما حدث أمس لا ينبغي أن تنسينا أن هناك مليونية شعبية جديدة نجحت ، ولكن تلك السلبيات تستدعي من قوى الثورة وتياراتها المختلفة أن تكون على يقظة من "كمائن" فلول نظام مبارك ، التي لا تترك أي فرصة من أجل اختراق بعض الأحداث لتحويل مجراها نحو التخريب والاعتداء على الممتلكات والمؤسسات الوطنية ، وواضح أنهم درسوا حالة الثورة وبدأوا يخططون من جديد لاختراقها ، وعلى منظمي مثل هذه المظاهرات مستقبلا أن يشكلوا لجانا شعبية تكون مهمتها احتواء أي محاولات لجرف قطاع من الشباب نحو وجهات خاطئة أو الهياج غير المنضبط ، وتكون من مهمتها أيضا عمل حماية شعبية للأماكن الأكثر حساسية لمنع أي محاولة للتحرش بها أو الاعتداء عليها ، كما أن على المجلس العسكري تذكر أن قانون الطوارئ ومحاكمه لم يمنعا الشعب من الثورة على نظام مبارك القمعي والدموي ، وأن الطريق للإصلاح أو التصالح مع الشعب لا يكون عبر هذا السبيل أبدا . [email protected]