شاهدنا بمزيد من الغيظ والحسرة بناء جدار عازل على سور كوبري الجامعة من ناحية السفارة الصهيونية، بارتفاع ثلاثة أمتار بشكل شوه المنظر العام وحجب رؤية النيل عن السابلة. والسبب هو الحيلولة بين المتظاهرين الكارهين أبد الدهر للصهاينة، المحتجين على قتل بعض أبنائنا على الحدود بين الصهاينة وبين مقر السفارة الإسرائيلية. هذا الجدار هو صورة مصغرة للجدار العازل الذي أقامته إسرائيل على أرض فلسطين بالأسمنت المصري. وأدهشنا أن بناء هذا الجدار من تفكير وتنفيذ محافظ الجيزة... من تلقاء نفسه، بدون توجيهات أو حتى علم الجهات العليا. وهذا في حد ذاته إنجاز تمثل من ناحية في تصرف مسئول دون انتظار أي تعليمات، وليت هذا الاهتمام الذي أبداه المحافظ بدعوى (باطلة) الحرص على سكان الأدوار السفلية من العمارة نراه في مواقع أخرى في محافظته، ليته يحرص في أقل القليل على النظافة. ولكن للأسف الإنجاز في غير محله لأنه إنجاز مستفز، يتحدى مشاعر الناس، وشوه منظر الكوبري من أجل خاطر السفير والكيان الإسرائيلي، وليس من أجل حماية سكان العمارة، فنحن لم نعتد بعد على تصرف من مسئول يرضي الناس. ولئن تعذر طرد السفير- كما يطالب الكارهون- فلا أقل من نقل السفارة إلى مكان آخر في بناية مستقلة وليس في دور عمارة آهلة بالسكان. فلم نر إلى الآن سفارة دولة في عمارة، فأغلب السفارات- إن لم يكن كلها- ذات كينونة مستقلة، لا تضايق أحدا ولا تزاحم أحدا. ولنقل السفارة مبررات منها أن مقرها يجب أن يكون في القاهرة عاصمة البلاد، وليس في الجيزة- فلا يبرر وجودها في موقعها الحالي كونه في نطاق القاهرة الكبرى- وإذا أخذنا بمفهوم القاهرة الكبرى فما كان لمحافظ الجيزة أن يتصرف بمعزل عن محافظ القاهرة. ولعلنا نذكر طرفة قديمة حينما سئل مسئول إسرائيلي عن سبب اختيار الجيزة مقرا لسفارتهم وليس القاهرة عاصمة البلاد، فقال كيف نقيم سفارة في بلدنا! قد يقول قائل أن الجيزة بها غير سفارة, والرد على هذا القول هو أن لإسرائيل وضعا خاصا يجب أن نكون منتبهين متنبهين يقظين له. ومن مبررات نقل السفارة أيضا أننا لا نقبل أن يرفرف العلم الإسرائيلي عاليا متعاليا على إحدى ضفتي النيل، وهو بذلك يمثل استثناء من أعلام الدول الأخرى التي لا نرى أعلامها إلا فوق مقراتها ذات الدور الواحد أو الدورين. وحسنا فعل ذلك الشاب ذو الحس السياسي الرفيع الذي لا يفتقده كثير من أهل السياسة حين تسلق العمارة ذات الأدوار التي تربو على العشرين ونزع العلم الإسرائيلي من مرقده، وفي هذا التصرف رسالة مفادها إذا ابتلينا فعلينا أن نستتر، لا أن نباهي بعلم الأعداء ونرفعه فوق بناية أقرب إلى ناطحة سحاب. إذا سألنا أي مصري عن مكان سفارة من السفارات فلن يعرف، ولكن كل مصري يعرف أين تقع السفارة الإسرائيلية، وإذا سألنا أي مصري عن لون أو رسم علم أي دولة فلن يعرف، ولكن كل مصري يعرف العلم الإسرائيلي بلونه ورسمه. وإذا تجول أحدنا على السفارات فلن يجد تلك الحماية المفرطة التي تحظى بها السفارة الإسرائيلية. إذن نحن أمام سفارة فوق العادة، في غير عاصمة البلاد، في بناية آهلة بالسكان الذين يعانون وزوارهم إجراءات أمنية عن دخولهم، وعلمها يرفرف عاليا ومن أجلها شوه كوبري الجامعة. وللسفير سكن مستقل، ليس في السفارة، كما الحال في السفارات الأخرى، وإنما في مكان آخر في قلب العاصمة حتى تكون لديه الفرصة في مراقبة الشارع المصري أثناء ذهابه وإيابه. ويبقى مبرر آخر لنقل السفارة وهو احترام مشاعر الناس... أصحاب البلاد. لقد أخطأ المحافظ، وتحدى بتصرفه الخائب الطائش المشاعر، وأهدر أموالا في غير صالح البلاد، خاصة وأن المتوقع هدم السور بأيدي الغاضبين، فهو ليس بأغلى من الجدر الأسمنتية التي تحيط بالسكك الحديدية أو بالطرق السريعة. كفى تدليلا لكيان تمرح جواسيسه في البلاد وتصرفاته من فوقنا ومن تحتنا تنبئ بشر عظيم، والله الحافظ والمعين.