في عام 1986 تَمَّ تبني نظام الإنذار المبكر بالمجاعات، وهو عبارة عن شبكة معلومات متخصصة، تعرف باسم "فيوز نت"، موجودة في الدول النامية التي تعاني افتقارًا مزمنًا في الأمن الغذائي، وهذه الشبكة هي برنامج قائم على الشراكة، بدأته وموَّلته الوكالة الأمريكيَّة للتنمية الدوليَّة، ويرصد البرنامج في الوقت الراهن نحو 30 بلدًا معرَّضًا للمجاعة حول العالم. وطبقًا لهذا النظام، فإنه "توجد مجاعة عندما يصبح وصول وحصول نسبة 20% من السكان على الأقل محدودًا بشكل بالغ على المتطلبات الغذائيَّة الأساسيَّة، وتتجاوز نسبة سوء التغذية 30%، ويتخطى معدل الوفيات (نسبة شخصين من كل 10 آلاف شخص في اليوم) بالنسبة لإجمالي عدد السكان". وقد صيغ هذا النظام بهدف إنشاء شبكات دوليَّة وقوميَّة وقطريَّة تساعد في الحد من الافتقار إلى الأمن الغذائي في الدول التي تتعرض لأخطار نقص الغذاء والمجاعات. أهداف الإنذار المبكر يعمل نظام الإنذار المبكر ضد المجاعات على تحقيق أهدافه من خلال تحديد العوامل التي تمثل تهديدًا خطيرًا بالنسبة للأمن الغذائي، والتي يمكن أن تسهم في زيادة سوء التغذية الحاد، وانتشار الأمراض وحالات الوفاة، خاصة في المجموعات الضعيفة المعرَّضة للخطر أكثر من غيرها، مثل النساء والأطفال وكبار السن، وكذا عبر مراقبة وتسهيل الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها أصحاب القرار في القطاعين العام والخاص في الوقت المناسب، كتقويمات المحاصيل، ومعدلات سوء التغذية، مع التوصية بإجراءات وقائيَّة مبكرة، من شأنها الإسهام في وقف المجاعات قبل وقوعها. وبالنسبة لإجراءات عمل هذا النظام، فتبدأ باستخدام الأقمار الصناعيَّة والتقنيات الحديثة في جمع وتمحيص كافة المعلومات المتعلقة بالأمن الغذائي، مثل أنواع المحاصيل الزراعيَّة، ومعدلات إنتاجها، وأسعارها، والموارد المائيَّة، والثروة الحيوانيَّة، ومعدلات سقوط المطر، واحتمالات حدوث الأعاصير والجفاف والفيضانات، والاحتياجات الغذائيَّة للسكان،..الخ، ومن خلال ذلك يتمّ إعداد صورة كاملة للعوامل المهدّدة للأمن الغذائي، وتحديد هوية أضعف المجموعات وأكثرها تعرضًا للهلاك، وتقديم تقارير موثقة عن ذلك إلى المسئولين عن اتخاذ القرارات. وهكذا، يضطلع موظفو نظام الإنذار المبكر بالمجاعات بدور الوسيط المخلص والمستشار الذي يمكن الوثوق به، وهم يتعاونون في ذلك تعاونًا وثيقًا مع وزارات الزراعة ونظرائهم الآخرين داخل الحكومة وخارجها، مما يسهم في أحيان كثيرة في تيسير الوصول إلى رد فعل مناسب من جانب المسئولين الرسميين وغير الرسميين، على صعيد وضع السياسة وعلى مستوى العمليات. تحذيرات بالقرن الإفريقي وبعيدًا عن هذه الطروحات النظريَّة، فقد تعرَّض نظام الإنذار المبكر بالمجاعات لاختبار بالغ الدلالة في القرن الإفريقي، حيث أكد جون شيشتانو، مدير برنامج فيوز نت، أن البرنامج حذَّر أكثر من مرة خلال عام 2011 من أن الظروف باتت مواتية لنشوء جفاف ونقص في الأغذية في القرن الإفريقي في عام 2011، وبالفعل، بدأت الوكالة الأمريكيَّة للتنمية الدوليَّة وغيرها من الوكالات في نقل المواد والمؤن الطارئة إلى مناطق قريبة من الأماكن التي يحتمل أن تنشأ فيها الحاجة إليها. لكن، بالرغم من ذلك، فقد ظلَّ الجوع زائرًا دائم العودة في القرن الإفريقي، حيث هدَّد الجفاف الشديد الأمن الغذائي في كافة أرجاء الإقليم أكثر من مرة في السنوات التي تلت ظهور هذه الأنظمة. أخيرًا أكَّدت التقارير تعرَّض نحو 12.4 مليون نسمة في الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وبلدان مجاورة للمجاعة، وأن الصومال هي أكثر الدول تأثرًا بهذه المجاعة، التي يتوقع لها أن تستمرَّ حتى نهاية شهر ديسمبر 2011، حيث يوجد في الصومال زهاء 3.7 مليون شخص في حالة أزمة، و3.2 مليون (من بينهم 2.8 مليون في جنوب البلاد) في حاجة إلى مساعدة فوريَّة؛ حيث تتوقف عليها حياتهم، بالإضافة إلى تدفق موجة غير اعتياديَّة من اللاجئين عبر آلاف الكيلومترات إلى دول الجوار، لا سيما كينيا وإثيوبيا، وارتفاع حصيلة الوفيات الناجمة عن هذه الأزمة، مقارنة بفترات نقص الأغذية التي تعيها الذاكرة في هذه المنطقة المعرَّضة للجفاف. قصور في الصومال في هذا الإطار، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا حدثت المجاعة في الصومال؟ بالرغم من الجهود المبذولة في إطار نظام الإنذار المبكر بالمجاعات والتحذيرات المستمرة من إمكانية حدوث مجاعة وشيكة في البلاد، فهل يعود ذلك إلى قصور في أداء هذا النظام ذاته، أم إلى عوامل سياسيَّة وأمنيَّة معينة؟ وما هي مدى مسئوليَّة السلطات والجماعات المحليَّة والأطراف الخارجيَّة عن ذلك؟ في الواقع، توجد العديد من العوامل المباشرة وغير المباشرة المسئولة عن حدوث المجاعة في الصومال، ومن أهمها: الصراع المسلح في الصومال، وتخاذل المجتمع الدولي، ونقص تحويلات الصوماليين بالخارج، والتوسع في استخدام الوقود الحيوي..الخ. بالنسبة للصراع المسلَّح في الصومال، فقد انعكس الصراع المحتدم بين نظام الحكم الانتقالي، بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد، والمعارضة الإسلاميَّة، التي يتصدَّرها جماعة الشباب المجاهدين، على قدرة منظمات الإغاثة الإنسانيَّة على إيصال مواد الإغاثة إلى المناطق المنكوبة بالمجاعات، خاصة في ظل حالة التردي الأمني في البلاد، والقيود التي تفرضها المعارضة على عمل تلك المنظمات، بدايةً من اتهامها بالعمالة والضلوع في أنشطة التنصير، وعدم احترام القيم والأعراف الإسلامية، مرورًا بالرسوم التي يتمّ فرضها على المنظمات الإنسانيَّة، وطرد العديد منها، وصولًا إلى عدم الاعتراف من الأساس بوجود المجاعة في الصومال. أما عن تخاذل المجتمع الدولي، فهو أمر واضح للعيان، حيث أكَّدت الأممالمتحدة الحاجة الملحَّة إلى نحو 2.6 مليار دولار لمواجهة تداعيات المجاعة، وبالرغم من ذلك فإن إسهامات الولاياتالمتحدة والمانحين الغربيين، الذين كانوا على علم بتحذيرات "فيوز نت"، كانت أقلّ من المتوقع. ولم تحظ الكارثة التي حاقت بالصومال بالاهتمام اللائق من جانب المسئولين الدوليين رفيعي المستوى، باستثناء رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي كان الوحيد من بين قادة العالم الذين زاروا الصومال. تسييس المساعدات وقد ارتبطت المساعدات في بعض الأحيان بشروط سياسيَّة، ومن ذلك اشتراط هيئة المعونة الأمريكيَّة عدم تقديم الدعم إلى مناطق تسيطر عليها جماعة الشباب المجاهدين، بالرغم من اعتراف الهيئة ذاتها بسيطرة الحركة على ما يقرب من ثلثي مساحة الصومال. كما أن معظم المساعدات من جانب الدول العربيَّة والإسلاميَّة كانت تعتمد في أغلب الأحيان على الجهود المحدودة للمنظمات غير الحكوميَّة، مثل جمعيات الهلال الأحمر. واتسمت المساعدات أيضًا بأنها بطيئة، ولا تتسق مع التقارير التي سبق أن أكَّدت أن 77% من حالات الوفاة خلال المجاعات في إفريقيا كانت تحدث خلال مرحلة إعداد برامج الإغاثة الإنسانيَّة. كما أن بعض المساعدات لم تلائم احتياجات الصوماليين، فالرعاة الصوماليون، الذين يتفوقون في إنتاجهم من الماشية على نظرائهم في مناطق عديدة من العالم، لم يكونوا ينتظرون كالمزارعين هطول الأمطار، بل ينتقلون إلى مراعٍ هطلت فيها الأمطار، ويوفرون بذلك العلف والموارد المائيَّة لماشيتهم. ومع أن الرعاة كانوا يضطرُّون في مواسم القحط إلى بيع ماشيتهم مقابل الحبوب، إلا أنهم كانوا يحتفظون دائمًا بجزء منها لإعادة توليد القطيع، عندما تتحسن الظروف. وقبيل تصاعد الأزمة الغذائيَّة الراهنة، لم يكن الرعاة بحاجة إلى معونات غذائيَّة قدر حاجتهم إلى مضخات، وحفارات آبار مائيَّة، وأمصال لتلقيح المواشي، ودعم جهودهم في بناء وسائل نقل، ومستودعات لتخزين الأعلاف، خاصة أن موجات الجفاف، التي كانت تقع مرة كل سبع سنوات في سبعينيات القرن الماضي، صارت تحدث مرة كل خمس سنوات في الثمانينيات، وأصبحت مزمنة منذ عام 2000. بالإضافة إلى أن الدول الغربيَّة أسهمت في إحكام الخناق على الصوماليين، من خلال شروط التجارة غير المنصفة، والقيود المفروضة على تحويلات الصوماليين العاملين في الخارج، والتي كانت بمثابة شريان الحياة للصوماليين، بعد انهيار مؤسسات الدولة، بما فيها المصارف في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت هذه التحويلات تبلغ نحو 40 مليون دولار سنويًّا، قبل أن تقلَّ جدًّا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2011، بزعم ضلوع المؤسسات التي تقوم بالتحويل في العمليات الإرهابيَّة، الأمر الذي ترك تأثيرًا بالغ الخطورة في حياة الصوماليين، لا سيما أن هذه التحويلات كانت تقدم ما يعادل عدة أضعاف الفرص التي تقدمها وكالات العون الدولية لإعادة بناء الصومال. ومن جهة أخرى، فإن التوسع في الاعتماد على الوقود العضوي "الإيثانول" قد أسهم بشكل غير مباشر في نقص الغذاء وتضاعف أسعاره، وعلى سبيل المثال، فإن الشركات البريطانيَّة وحدها اشترت أكثر من ثلاثة ملايين هكتار من أراضي إفريقيا، ليس لزراعة المحاصيل الغذائيَّة، بل لزراعة النباتات المستخدمة في إنتاج الوقود العضوي، كما أنها استثمرت كمًّا هائلًا من النقود في المضاربة على المواد الأولية التي رفعت أسعار الحبوب 40 ضعفًا، بالمقارنة مع أسعارها في العقد الماضي، ومن المعلوم أنه عندما تتضاعف أسعار الطعام، يجوع الناس. بناءً على ما تقدَّم يتضح عدم كفاية نظام الإنذار المبكر ضدّ المجاعات للحيلولة دون تجدد موجات المجاعة، أو التعامل مع تداعياتها في حالة حدوثها، نظرًا لتدخل العديد من المتغيرات التي تؤثر بالسلب في كفاءة هذا النظام. ومن ثم، طالبت منظمة الأغذية العالميَّة بضخ المزيد من الأموال لمساعدة الفئات الأكثر حرمانًا في الصومال وإنقاذ حياة البشر على المدى المتوسط مع ضمان الأمن الغذائي على المدى البعيد". كما طرح البعض ضرورة زيادة الدعم المادي والتقني المخصص لنظام الإنذار المبكر بالمجاعات، وتبنى مبادرات طويلة الأمد وأكثر فعالية، ومثال ذلك المبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي عُرفت باسم "مبادرة الغذاء للمستقبل"، التي تهدف إلى زيادة الإنتاجيَّة الزراعيَّة، وتعزيز تقنيات أفضل للتخزين، واستخدام أساليب زراعيَّة حديثة، واستخدام العلم والتكنولوجيا لمساعدة الأهالي على التكيُّف مع التقلبات المتزايدة لأنماط الطقس في منطقة القرن الإفريقي كلها