بعد أن تابعت أكثر حلقات مسلسل الحسن والحسين وبالأخص الحلقة الأخيرة التي فاجأ المخرج بها المشاهد حين عالج تلك الأحداث الأليمة بطريقة فنية أبدع من خلالها في إيصال الرسالة المطلوبة. فاني استطيع القول بأننا أصبحنا اليوم على أعتاب أعمال فنية تنافس مثيلاتها وتثبت وجودها وجودتها لتكسر قيد الاقتصار الذي كانت تتمتع به الدراما الإيرانية لمثل هذه الأعمال والتي لم تخل دس مسموم على المستوى الديني والسياسي . ذلك الدس الذي خلا منه مسلسل الحسن والحسين كونه خرج من تحت يد مجموعة من كبار العلماء في الشريعة والتاريخ الإسلامي مشهود لهم بالعلم والفضل وقد فطنوا الى ضرورة معالجة مثل تلك الأحداث المهمة من تاريخ أمتنا عن طريق الدراما كونها الطريق أقوى تأثيراً وأسرع إقناعاً خاصة ونحن نمر بأزمة شديدة تتمثل بعزوف أمة إقرأ عن القرآءة، ما ادى مصيبة تجر أخرى حين ترى أن شرائح كثيرة من المجتمع المسلم تبني معتقداتها التاريخية والثقافية وحتى الدينية في بعض الاحيان على ما يتلقفونه من هنا وهناك دون سؤال أو تمحيص، سواء كان من اهل الهل الاختصاص ام لا. فحين نرى الفرد يتساهل أو يتكاسل مشقة الذهاب الى أولي العلم ليسأل عن أمور دينه وتاريخه فإن من الإبداع بمكان الذهاب إليه في بيته عرض الصورة الصحيحة لوقائع تاريخية استغلها أهل الأهواء والفتنة ليدخلوا من خلالها ويفتوا في عضد الأمة ويتركوا جرحاً لم يندمل الى يومنا هذا . وللأسف لا يزال من علماء الأمة ومفكريها من لا يزال يعيش في برجه العاجي بعيداً عن الواقع ومتطلباته غير مقتنع بضرورة إيجاد وسائل جديدة لمخاطبة الناس تواكب عصرهم ،فلا يزال هؤلاء متمسكين بآرائهم القديمة التي تحرم تجسيد الشخصيات الدينية، ولا احسب ذلك الرأي نابع دليل من كتاب او سنة صحيحة بل هو تقليد محض وترديد لما سمعوه من مشايخهم رحمهم الله والذين عاشوا في القرن الماضي،وقد بقي الركود يخيم على هؤلاء ولم يتمتعوا بقوة الحجة ورجاحة العقلية لكي يخرجوا من تقليدهم غير المبرر فهم بين التساهل في الأمر وعدم تحمل مسؤولية طرح رأي جديد وبين الاهتمام بنقد الناس والالتزام بالأعراف والتقاليد التي اعتادوا عليها ،تلك الأعراف والتقاليد التي لم نجد الى الشرع بها صلة لا من قرب ولا من بعيد. ومن الأدلة التي تؤكد نجاح المسلسل وتأثيره في المشاهدين وعلى مستوى كبير ذلك الهجوم الذي رأيناه من أطراف عدة، على سبيل المثال لا الحصر ، الهجوم الذي شنه البرلمان العراقي على المسلسل مطالبا بوقف عرض المسلسل كونه يدعو الى الفتنة ، ومن المفارقات في الموضوع أن من يدعو الى وقف عرض المسلسل هم آهل الفتنة أنفسهم والذي استحلوا دماء المسلمين منذ خروجهم على يد داعيتهم الأول ابن سبأ والى يومنا هذا، وقد كانوا من قبل ينكرون وجود شخصية ابن سبأ أصلاً مدعين أنها شخصية وهمية لكنهم اليوم اضطروا مكرهين للاعتراف بها بعد 1400 سنة من الزيف والكذب على أتباعهم. لقد أحرج المسلسل هؤلاء وغيرهم فطالبوا بوقفه حتى قبل أن يشاهدوا بقية الحلقات، لا لشيء إلا خوفا من النهاية التي ستُظهر كذبهم وتضعف حجتهم ولو أنهم صبروا...لكان خيرا لهم، فعلم الله ما في أنفسهم من حقد وبغضاء أبى إلا أن يفوح قبل أوانه. لقد دار نقاش بيني وبين أحد الفنانين الشيعة من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك حين كتب قائلا إن مسلسل الحسن والحسين أساء الى السنة أكثر مما إساءته الى الشيعة، فقد اظهر الصحابة شخصيات ضعيفة تسيرها الشخصية الوهمية المتمثلة بعبد الله ابن سبأ ويركضون وراء الفتنة. فأجبته : لا ادري أين الفتنة حين يثبت المسلسل أن أبناء علي هم أبو بكر وعثمان وأن كل ما جرى هو بفعل مؤامرة راد من خلالها أهل الفتنة تحقيق غايات في نفوسهم ، وقد اشتاط غضبا حين ذكرته بمقولة عمر بن عبد العزيز حين سألوه عما جرى في تلك الأحداث فقال :تلك امة خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. معتبراً ذلك من قبيل الضعف ودفن الرأس في التراب والتهرب من قول الحق. بهذا المنطق يقابل أهل الفتنة - أو هكذا يطيب لي أن اسميهم - كل دعوات الإصلاح؛ ليس ألان فحسب بل على مر الأيام التي تبعت تلك الأحداث وأخذوا يرجون لأفكارهم ويسفهون من يعارضها بالنقاش تارة وتارة بقوة الحديد والنار كما فعل الفاطميون في شمال أفريقيا. وإن كانت القاعدة الإعلامية تؤكد على السبق الصحفي وأهميته في نفس المتلقي فان الأمر مع الأحداث التاريخية يأخذ الطابع نفسه، فالذي يسبق في عرض الأحداث التاريخية من خلال الدراما أولا سيأخذ الحظ الأوفر في نفسية المشاهد وتنطبع الصورة الأولى في ذاكرته فلا تنافسها المعلومة الجديدة إلا بصعوبة بالغة، لذلك تجد أن الدراما الإيرانية انتبهت لهذا الأمر لأنها ذات أجندة دينية وسياسية تبغي من خلال ذلك مآرب شتى ، لذلك كان من الواجب مواجه ذلك بالسبق في أعمال فنية مرموقة لترسيخ الصحيح من الأحداث والمعلومات في عقلية المشاهد بطريقة تمزج بين الاحترافية في العمل الفني والدقة في النقل التاريخي . وختاماً فبعد هذه الخطوة الجريئة في تقديم مثل تلك الأعمال، لابد من تجاوز المحذورات التي كانت تسيطر على عقول البعض وإهمال الفتاوى التي لا يليق بنا كأمة يحسب لها ألف حساب أن نتمسك بها لحد الآن، فالطريق طويل والصراع قوي يحتاج الى عقول متفتحة وعيون منتبه وقوة في الحجة تلزم خصمك وتعلي موقفك . كاتب وإعلامي عراقي