رغم التنديد الواسع في العالم الإسلامي بالهجمات الأخيرة في فرنسا, إلا أن مسيرة باريس, المناهضة للإرهاب, تخللها "شعارات وصور مسيئة للإسلام والمسلمين", بل وشارك فيها أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتعليقا على مشاركة نتنياهو في المسيرة, التي حضرها خمسون من قادة العالم, قال الأمين العام ل"اتحاد علماء المسلمين" علي القرة داغي :"نتنياهو في مسيرة باريس ضد الإرهاب، ويداه القذرتان ما زالتا تقطران بدماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا في فلسطين.. بئس المسيرة!". كما ندد داغي في تغريدة له عبر "تويتر" بصمت المشاركين في مسيرة باريس عن مقتل عشرات الآلاف في فلسطين وسوريا والعراق, وأضاف "رؤساء دول عربية وأجنبية يجتمعون في باريس لإدانة حادثة شارلي إيبدو، وفي فلسطين وسوريا والعراق يقتل يوميا أضعاف ضحايا الحادثة، هذه قيمة دمائهم ودمائنا". كما ذهب الداعية السعودي سلمان العودة إلى أبعد من ذلك، حيث أفتى بعدم جواز المشاركة في مسيرة باريس، وكتب تغريدة يقول فيها :"لا يجوز لمسلم أن يشارك في مسيرة ترفع فيها الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ويتوسطها الصهاينة قتلة الأطفال والنساء". ومن جانبه، وصف الكاتب الصحفي القطري فيصل بن جاسم آل ثاني المسيرة بأنها "جمعت أكبر عدد من إرهابيي العالم لتشييع جنازة الضمير والعقل", وسخر الصحفي القطري بالقول :"إن مقتل الصحفيين الفرنسيين أصبح قضية عالمية، في حين أن استباحة شعب مسلم كامل بميانمار والعراق وسوريا وفلسطين أمر عادي"، وتابع "عالم ظالم ومنافق". كما أبرزت قناة "الجزيرة" تغريدة للإعلامي السوري فيصل القاسم, قال فيها :"محمود عباس منع الناس من التظاهر تضامنا مع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنه ذهب إلى باريس مع نتنياهو ليتظاهر ضد الإرهاب.. هزلت". وقتل 17 شخصا, بينهم صحفيون ورجال شرطة خلال ثلاثة أيام من أعمال العنف في فرنسا, بدأت بإطلاق النار على صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة يوم الأربعاء الموافق 7 يناير, وانتهت باحتجاز رهائن في متجر يبيع أطعمة يهودية يوم الجمعة الموافق 9 يناير، وقتل أيضا المسلحون الثلاثة. وشارك في المسيرة الرسمية المناهضة للإرهاب, التي شهدتها باريس في 11 يناير, خمسون من قادة العالم، في حين خرجت مسيرات أخرى في عدد من ساحات فرنسا. وأعلنت السفارة المغربية في باريس في 11 يناير أن وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار لم يشارك في المسيرة الرسمية, التي جرت في باريس, تنديدا بالهجمات التي شهدتها فرنسا، وذلك بسبب رفع رسوم مسيئة "للنبي محمد صلى الله عليه وسلم", خلال المسيرة. وجاء في بيان السفارة أن الوفد المغربي قدّم في قصر الإليزيه تعازي الرباط لضحايا الهجمات, وذكرت وكالة "الأناضول" أن الوفد ضم إلى جانب وزير الخارجية سفير المغرب في فرنسا شكيب بن موسى. وبدوره, وصف وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي الهجوم على الصحيفة الفرنسية ب"المدان", و"المرفوض"، داعيا في الوقت ذاته إلى "عدم وقوع خلط بين الإسلام والإرهاب، ومواجهة أي خطر جديد يعطي وقودا لتنامي مشاعر العداء للمسلمين في الدول الأوروبية". ومنذ اللحظة الأولى لهجمات فرنسا, سارع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لاستغلال هذه الاعتداءات لوصم الفلسطينيين والمسلمين ب"الإرهاب"، وتشجيع اليهود الفرنسيين الذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون نسمة للهجرة سريعا إلى ما سماه "وطنهم الوحيد إسرائيل". وقال نتنياهو في باريس :" إن الإسلام المتطرف هو عدونا جميعا، يظهر بعدة أماكن لكن هدفه واحد، إعادتنا للوراء ألف عام"، داعيا أوروبا لمساندة إسرائيل. وكرست إسرائيل في السنوات الأخيرة جهودا كبيرة لدفع يهود فرنسا للهجرة لها بعد توقف الهجرة من بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا. وتشير معطيات وزارة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية إلى أن عام 2014 شهد تصاعدا كبيرا بعدد المهاجرين اليهود من فرنسا لإسرائيل والذي بلغ نحو سبعة آلاف مهاجر مقابل 3400 مهاجر عام 2013. وقبيل أحداث باريس, قدرت الوزارة أن يصل إلى إسرائيل هذا العام نحو عشرة آلاف يهودي من فرنسا، وبعد الأحداث, وصلت التقديرات إلى أن يزيد عدد اليهود الفرنسيين الذين سيصلون إسرائيل ما بين عشرة إلى عشرين ألف مهاجر. ولم يفوت وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أيضا فرصة استغلال هجمات باريس لدعوة اليهود الفرنسيين للهجرة، وذهب إلى حد تعبيره عن أمله بأن يهاجر يهود العالم إلى إسرائيل دون علاقة للهجمات في باريس، معتبرا أنهم "باتوا يملكون دولة بعد انتظار آلاف السنوات". وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو طلب المشاركة بمسيرة باريس, على الرغم من مخاوف القيادة الفرنسية من انزلاق "الجبهة الموحدة ضد الإرهاب " نحو الصراع العربي الإسرائيلي، لذا قامت بإبلاغ نتنياهو بنصيحتها بعدم الحضور ل"دواع أمنية"، وبحسب "يديعوت أحرونوت", فإن نتنياهو "فرض نفسه وقام بالزيارة لاعتبارات سياسية داخلية". كما كشفت "يديعوت أحرونوت" أيضا عن غضب القيادة الفرنسية من دعوة نتنياهو اليهود للهجرة من فرنسا, فور وقوع الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو"، واعتبار أن الدعوة تظهر فرنسا بمظهر العاجز عن حماية مواطنيها. وكشف مدير عام وزارة الخارجية الفرنسية الأسبق ألون ليئيل أيضا ل"الجزيرة" أن الرئاسة الفرنسية كانت تخشى أيضا من استغلال نتنياهو الحدث العالمي في باريس لخدمة حملته الانتخابية. وبدوره, قال المعلق الإسرائيلي آري شافيط ل "الجزيرة" إن دعوة اليهود لمغادرة وطنهم فرنسا, "كانت ستكون طبيعية وشرعية جدا لو تمت في فترة اعتيادية لا بتوقيت بائس"، وتابع أن "هذا هو الوقت لدعم يهود فرنسا لا إضعافهم". وأضاف أن الدعوة للهجرة عقب الاعتداءات تبدو "خضوعا للإرهاب وطعنة بظهر دولة صديقة في أوج مكافحتها له"، محذرا من احتمال هجرة بعضهم إلى دول أخرى لا إلى إسرائيل. وكانت صحيفة " الإندبندنت أون صنداي" البريطانية نشرت في 11 يناير مقالا للكاتب باتريك كوكبيرن قال فيه إن "المذبحة" التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس تعود لأسباب سياسية، وإنها تعتبر رد فعل للحروب المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، وإنه يجب على فرنسا أخذ الحيطة والحذر في رد فعلها المحتمل. وأضاف الكاتب أن إفراط القادة السياسيين في فرنسا في ردة الفعل من شأنه تحقيق هدف "الجماعات المتطرفة" من وراء "المجزرة", التي شهدتها, صحيفة شارلي إيبدو. وأضاف الكاتب أن الانتصار الأهم لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن, لم يتحقق في اليوم الذي استطاع به الخاطفون قيادة الطائرات وشن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ولكن في الأشهر والسنوات التي تلت، وبتمكنه من جرّ الولاياتالمتحدة وحلفائها إلى الحرب على أفغانستان وإلى غزو العراق والقتال ضد المسلمين. وأشار كوكبيرن إلى أن حملة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في "الحرب على الإرهاب" قد فشلت في تحقيق أهدافها، وهي الحملة التي أطلقتها الولاياتالمتحدة بدعم من بريطانيا. وتساءل الكاتب عما إذا كانت فرنسا سترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته إدارة بوش والمحافظون الجدد، وأشار إلى أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تحدث أكثر من مرة عن "حرب الحضارات" التي تبدو النسخة الفرنسية من "الحرب على الإرهاب", التي أطلقها بوش. وأضاف كوكبيرن أن هناك قرابة ستة ملايين مسلم يعيشون على الهامش في فرنسا، وأنهم يعتبرون أنفسهم ضحايا للعنصرية، وأن الحروب في الشرق الأوسط تفاقم من إرث الكراهية، وأن العالم في خطر ويعاني من فشل على المستوى السياسي وليس الأمني.