مازالت ردود الفعل تتوالى على انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" رسميا من أفغانستان, حيث رسمت صحيفة "واشنطن بوست" صورة قاتمة لمستقبل هذا البلد الآسيوي, محذرة من أن حركة "طالبان" باتت أقوى من الماضي. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في مطلع يناير أن "العاصمة الأفغانية تبدو مخيفة وخطيرة كما كانت أيام حكم طالبان", ملخصة الوضع بالقول :"لقد عادت طالبان بقوة إلى كابول". وبدورها, ذكرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية في تقرير لها في مطلع يناير أيضا أنه بالرغم من انتهاء العمليات القتالية بأفغانستان رسميا في 31 ديسمبر الماضي, فإن الولاياتالمتحدة ستواصل مهمتي تقديم المشورة ومكافحة الإرهاب تحت مسمى جديد هو "عملية حارس الحرية", حيث ستتكون الحملة العسكرية المستمرة من نحو 13 ألف فرد معظمهم من القوات الأمريكية. وكانت قوات الناتو أعلنت في مراسم احتفالية في العاصمة الأفغانية كابول في 31 ديسمبر الماضي انتهاء مهمتها رسميا, بعد حرب كلفت نحو ألف مليار دولار، وسقوط حوالي 3500 جندي، نصفهم من الأمريكيين منذ بدء الغزو, الذي قادته واشنطن في أكتوبر 2001. وسيبقي الحلف على نحو 13 ألفا من جنوده في إطار بعثة لتدريب ودعم قوات الأمن الأفغانية، كما وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرارا يتيح للقوات الدولية المتبقية مقاتلة عناصر حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان, بخلاف الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الحكومة الأفغانية وواشنطن. وقالت قناة "الجزيرة" في تقرير لها في 31 ديسمبر إنه على الرغم من التفاؤل الذي تبديه الحكومة الأفغانية بقدرتها على بسط سيطرتها على البلاد، فإن المراقبين يعتقدون أن القوات الحكومية الأفغانية -وعددها نحو ثلاثمائة ألف مقاتل- ضعيفة وليس بإمكانها التصدي لهجمات حركة طالبان والقاعدة، حيث تفتقر للقوات الجوية والوسائل المتطورة، إضافة إلى ضعف الولاء لدى عناصرها، وهو ما يرسخ التوقعات بأن الأوضاع ستزداد سوءا في البلاد. وكان رئيس الحكومة الأفغانية عبد الله عبد الله قال أيضا في تصريحات لصحيفة "صنداي تايمز البريطانية" في الثامن من ديسمبر الماضي إن مغادرة القوات الأجنبية لأفغانستان سابقة لأوانها، مشيرا إلى أن قوات بلاده لا تزال بحاجة إلى استمرار الدعم الجوي. وأضاف عبد الله أن قوات بلاده لا تزال بحاجة إلى "الدعم الجوي لإخلاء الإصابات، إضافة إلى الاستخبارات والمقاتلات السريعة". ويبقى التساؤل المحير: ماذا حققت قوات الناتو, لكي تعلن الانسحاب بعد 13 عاما، مبقية على نحو 13 ألف جندي، وهل كان قرارها بغزو أفغانستان صحيحا في الأساس؟. يرى كثيرون أن الناتو والأمريكيون تركوا أفغانستان دون استقرار سياسي واقتصادي وأمني، ووسط فساد متنام, كما أنه بعد 13 عاما وثلاثة أشهر على الغزو, كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر 2001, للقضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان, التي وفرت له المأوى، قرر الناتو الرحيل من أفغانستان, من دون تحقيق الأهداف الواضحة, التي أعلنها لتبرير التدخل العسكري. فحركة طالبان لم يتم القضاء عليها، و"القاعدة" تحولت من تنظيم مركزي إلى تنظيم متشعب له فروع في مناطق مختلفة من العالم, كما أنه لم يتم تحقيق وعود الديمقراطية والتنمية, بل وتفاقم التردي الأمني في البلاد, حيث لم تكشف القيادة العسكرية الأمريكية مسبقا عن مكان تنظيم احتفال الإعلان عن انسحابها من أفغانستان, خوفا من شنّ هجمات عليها, وهو ما دعا حركة طالبان إلى وصف انسحاب الناتو ب"الهزيمة التاريخية". ووفق تقرير "الجزيرة", فإن الحرب لم تنتج سوى المزيد من الخراب، رغم التجارب الانتخابية الرئاسية والبرلمانية, التي حاولت فرض نظام ديمقراطي. ويبدو أن تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدعم أيضا المخاوف على مستقبل أفغانستان, وأنها مازالت بلدا غير آمن, بعد 13 عاما من الغزو. وكان أوباما أشاد في بيان له في 31 ديسمبر بالمهمة القتالية لحلف الناتو في أفغانستان، لكنه حذر في الوقت ذاته من المخاطر, التي لا تزال تهدد هذا البلد. وأضاف " الآن، وبفضل التضحيات الاستثنائية لرجالنا ونسائنا العسكريين, انتهت بطريقة مسئولة مهمتنا القتالية والحرب الأطول في تاريخ الولاياتالمتحدة". وتابع "نحن أكثر أمنا وبلدنا أكثر أمانا بفضل عملهم الذي أدى لتدمير أوكار تنظيم القاعدة وعطل مخططات الإرهابيين", مشددا على أن الوجود العسكري الأمريكي أتاح للأفغان "إعادة بناء بلدهم وإجراء أول انتخابات وإنجاز أول عملية انتقال ديمقراطي في تاريخ بلدهم". واعترف أوباما أن "أفغانستان ما زالت مكانا خطيرا", لذلك فإنه "استجابة لدعوة الحكومة الأفغانية, ستبقي الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على وجود عسكري محدود في أفغانستان لمساعدة وتدريب القوات الأفغانية وأيضا لشن عمليات لمكافحة الإرهاب ضد فلول القاعدة".