البداية الحقيقية لنهضة مصر، بعد إصلاح وصلاح الشخصية المصرية، تكمن في إستخدام المنتجات المحلية والإستغناء عن السلع المستوردة، وهذا لن يتم إلا بتفعيل عدة أمور سأذكرها في قادم السطور. حين زرت كوريا الجنوبية للعمل بإحدي جامعاتها كأستاذ زائر في الفترة ما بين عامي 2005 و 2007، وفي طريقي من مطار إنشن بسيئول -تلك المدينة الساحرة- إلي مدينة جونجو حيث الجامعة التي كنت سأعمل بها لاحظت أن كل السيارات، بلا إستناء، كورية الصنع ولم الحظ وجود أي اثر لسيارة او لدراجة بخارية مستوردة، وعلي الرغم من وجود ثلاث شركات فقط لتصنيع السيارات في كوريا إلا أن عدد الماركات التي تنتجها هذه الشركات يتجاوز المئات، مع التنوع الكبير في التكلفة والفخامة، فوجدت السيارات الإقتصادية والصغيرة، والسيارات الفخمة التي تضارع، إن لم تفق، كبري السيارات العالمية الشهيرة من الماركات المرموقة، لم يكن هذا المشهد سوي برهان ودليل دامغ علي حب الكوريين لكوريا، لم يتجسد هذا الحب في اغنية أو اوبريت أو طنطنة فارغة في لقاء تليفزيوني، ولكن تجسد هذا العشق في عمل حقيقي بشراء المنتجات المحلية، والإستغناء عن إستيراد السلع التي يتم تصنيعها محليا وبأيادي وتكنولوجيا كورية خالصة. وعرفت لا حقا أن الجنرال بارك شونج هي والذي حكم كوريا في الفترة من 1961 حتي 1978 هو الذي عظم ونمي هذا التوجه لدي الكوريين بإستخدام المنتجات محلية الصنع والإستغناء علي السلع المستوردة، وبعد أن وصل للاكتفاء الذاتي لمتطلبات شعبه، أتجه لتصدير الفائض، بما وفر له المزيد من العملة الصعبة التي إستخدمها في استيراد المزيد من المواد الخام اللازمة للتصنيع، ومن الجدير بالذكر أن كوريا الجنوبية لا تملك أي موارد بترولية أو ثروات معدنية أو أي موارد طبيعية، ولكنها تعد الآن من كبري الدول في تصنيع السيارات والسفن والالكترونيات بفضل عقول أبنائها وتوفر الإرادة مع حسن الإدارة. أذكر الحاج محمود السبع هذا الخراط الرائع إبن منطقة الحسينية بمدينة المنصورة الذي كان يصنع بعض قطع غيار السيارات بجودة مقبولة وأسعار جيدة في ورشته الصغيرة بمساعدة بعض الفنيين، ومع فتح باب الإستيراد علي مصرعيه، قام كل من هب ودب، وكل من يبحث عن الثراء السريع دون النظر لمصلحة الوطن العليا أو مصلحة السبع الدنيا، بإستيراد كل الاصناف التي كان يصنعها الحاج محمود من الصين بجودة وأسعار أقل، مما أثر تأثيرا مباشرا ليس فقط عليه ولكن علي كل العمال الذين كانوا يعملون لديه مثل شريف وسيد وغيرهما مما كانوا يعيشون علي دخلهم من صناعة هذه الأشياء، ولست أدري ماذا حدث له بعد ذلك في ظل عدم دفاع الدولة عنه وعن الآلاف من أمثاله. وهذا هو الدكتور أيمن عبدالحليم واخوته من الذين أفنوا أعمارهم في تطوير وتصنيع بعض قطع غيار السيارات بأيادي مصرية وبجودة معقولة وبأسعار تنافسية، يناشد الدولة، لا الحصول علي قروض أو تسهيلات أو أي مزايا نوعية اخري، ولكن يناشد الدولة حمايته من المستوردين الذين يقومون بإستيراد أي شئ وكل شئ بالعملة الصعبة وبجودة رديئة بما يؤثر بالسلب عليه وعلي العديد من العاملين لديه وهم الذين يرفعون عن كاهل الحكومة الوفاء بتوفير وظائف لهم. لابد أن تتخذ الحكومة التدابير اللازمة ويقوم مجلس النواب القادم بسن التشريعات التي تحفظ الصانع المصري الصغير، وتحافظ علي العملة الصعبة وعلي المنتج المصري، ولا يكون الإستيراد للمنتجات النهائية التي يمكن أن يتم تصنيعها في مصر، بل يقتصر الإستيراد علي المواد الخام ومستلزمات الإنتاج التي يصعب توفيرها محليا، كما يجب أن تساهم الدولة في خلق بيئة حاضنة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في إطار صناعة تكاملية لا تنافسية لإنتاج منتجات عالية الجودة تكفي المستهلك المصري وما يتم توفيره تقوم الدولة بتصديره للخارج من خلال منظومة متكاملة تحمي اصحاب الصناعات وتشجع المصدر. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.