لو أنصف ثوار ميدان التحرير أنفسهم وأنصفوا سمعة الميدان الذي أصبح علامة مضيئة علي ثورة فتية أدهشت العالم أجمع وابتكرت ألوانا جديدة من المقاومة السلمية يقلدها العالم أجمع, لكان واجبا عليهم أن يعيدوا النظر بالكامل في شروط العودة للميدان والاعتصام داخله. بعد أن تبدلت وتغايرت أحواله إلي حد أن الذين عاشوا داخل الميدان علي امتداد الأيام الثمانية عشرة التي انتهت بسقوط النظام يتكون مما يحدث في الميدان الآن, وينكرون أن يكون لما يجري داخله أية علاقة فهذه الأيام المجيدة, التي توحد فيها ثوار الميدان حول ثلاثة أهداف واضحة, إسقاط النظام ومحاكمة الفساد, وإقامة ديموقراطية كاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية, التف حولها الشعب والجيش ليصبحوا مع الثوار يدا واحدة. تغير الحال الآن, ولم تعد الوجوه هي الوجوه, وأصبح الميدان ميادين عديدة, كل جمعة أخذ الميدان لونا مغايرا ويشهد حضورا مختلفا, اختفي الأقباط أولا بعد أن إختاروا ماسبيرو محلا مظاهراتهم, وبدلا من أن تكون هناك منصة واحدة تعددت المنصات وتعارضت الرسائل التي تصدر عنها, وتعددت خيام الفصائل والتجمعات بعد أن كان الميدان يظل الجميع, وتكاثرت أعلام ولافتات وإشارات السلفيين والاخوان والصوفيين وغيرهم من القوي بديلا عن علم مصر الذي كان يرفعه الجميع! ومرات عديدة يكتسي الميدان لونا واحدا يثبت الحضور الطاغي لجماعات الإسلام السياسي, وتطفي شعارات الدولة الدينية التي تطالب بتطبيق الشريعة وقيام دولة دينية علي كل الشعارات الأخري في منافسة محتدمة مع باقي الفصائل, وحتي عندما كان الجميع يتوافقون علي بعض القواعد التي تنظم حضور الجميع في مليونية حاشدة, كان هناك دائما من يخرج علي هذه القواعد ويضرب بها عرض الحائط, وكما فقد الميدان بهاء حورته وتمزقت وحدته فقد أيضا ديموطاقيته, بدعوي أحقية أن يبقي الميدان مفتوحا لاعتصام من يريد الاعتصام يعرف النظر عن رؤية أغلبية الحضور الساحقة, وهذا ماحدث قبل أسبوعين عندما اتفق الجميع علي تعليق الاعتصامات طوال شهر رمضان, لكن نقر محدودا اعتراض علي القرار وألزم الجميع مساندة اعتصام غير شرعي قرر الجميع تعليقة! ولأن الحابل اختلط بالنابل وتشابهت الصور, وأصبح الميدان بعيدا عن نبض الشارع والشعب, وتحول إلي ساحة للمنافسة بدلا من ان يكون ساحة لقاء وتوحد, يحسن بثوار التحرير أن ينصفوا ثورتهم وينقذوا صورة الميدان من تشوهات عديدة تسيء إليه, من خلال قواعد داخله تنظم الحضور إلي الميدان والاعتصام داخله وتلزم الأقلية احترام قرارات الأغلبية, وتحفظ صورة الميدان ووحدته وديمقراطية, وتبقي عليه رمزا جميلا مهابا لتصفوا إليه قلوب كل المصريين. نقلا عن الاهرام: