وقائع الجلسة الأولى لمحاكمة الفرعون المخلوع مبارك كانت تجرى يوم الأربعاء الماضى , فيما يتسابق على الظهور والإمساك بالميكروفون ,عدد من المحامين الذين لم يكونوا على مستوى الحدث , و بعضهم للأسف هو من فريق المدافعين عن شهداء الثورة المدعين بالحق المدنى , وبينما كنت متسمراً أمام شاشة "الفضائية المصرية" مثل ملايين وربما مليارات المشاهدين المتابعين لمحاكمة الفرعون أمام شاشات التلفزيون بأركان المعمورة حيث البث الحى المباشرلما يجرى بقاعة المحكمة , ومع ظهور ألاعيب المحامين وطلباتهم الغريبة , وذلك المحامى الفكاهى بالصف الأول , الذى ظل متربصاً ومتحيناً الفرصة لإلتقاط الميكرفون , إلى أن نجح فى مسعاه ,ليتحفنا بأن هذا المخلوع الراقد على النقالة ,هو مجرد نصاب ومنتحل لشخصية مبارك , والذى توفى عام 2004 على حد زعمه , مع أن هذا المحامى ليس له أى صفة , فلا هو محامى عن احد المتهمين , ولا عن أحد من الشهداء أو المصابين المجنى عليهم , لكنه حٌبْ الظٌهور, حتى ولو كان بتلك النكتة السخيفة التى لو صدقناها لكانت قد أفسدت علينا فرحتنا بمشهد الفرعون مع وزيرة السفاح ونجليه داخل قفص الإتهام ..وفيما بلغت سخونة الجلسة مداها , عندما تلقف "المخلوع" الميكروفون من ولده الوريث جمال, نافيا عن نفسه ومنكراً كل الإتهامات ..فإن أسامة هيكل وزير الأعلام المنتمى لفريق فلول وعملاء النظام البائد , لم يشأ هو الآخر أن يترك هذه الفرصة للظهور تُفلت منه ..إذ ظهر خبر"مدهش" و"ومزعج" على شاشة الفضائية المصرية ,وهذا الخبر أحتل مساحة كبيرة من الشاشة تصل إلى نصفها تقريباً أو يزيد , ومعلوم مهنياً , وفيما تعلمناه وخبرناه بالممارسة العملية , وفيما تسير عليه الفضائيات المحترمة الملتزمة بالمعايير المهنية السليمة .. أن الخبر الذى يظهر على الشاشة يكون عاجلاً ومهماً و يفوق فى أهميتة ما قد يكون معروضا , وبالتالى فإنه لا يحتمل التأجيل إلى ان ينتهى البرنامج المعروض,غير أن الخبر الذى نتحدث عنه , لا علاقة له بذلك كله , فقد أراد به "هيكل" أن ينافس المتنافسين على الظهور من ناحية, وأن يسرق الأنظار المتجهة من كل الدنيا لهذا المشهد النادر للفرعون على سرير الإتهام , وأن يخطف جانبا من الأضواء المٌركَزة على مبارك تعِد عليه همساتة وسكناتة وحركاتة , وهذا هو الجانب المدهش فى الخبر العاجل المعروض على الشاشة فى تلك الإثناء , وحتى تكتمل الدهشة , فإن "الخبر" الذى أتحدث عنه يقول بأن "أسامة هيكل وزير الإعلام قرر أن يعفى جميع الفضائيات من "رسوم" نقل المحاكمة فى حالة النقل ب (شعار) التلفزيون المصرى" .. ولنا أن نتسائل بكل براءة عن "المُشاهد وأسرته" الذين تركوا أعمالهم ومستيقظين مبكراً فى نهار رمضان ,حتى لا يفوتهم متابعة ذلك الحدث نادر التكرار ..هل يكونوا مشغولين فى تلك اللحظات بقرارات "هيكل" وزير الاعلام ,و إن كانت الفضائيات الناقلة للمحاكمة , سوف تعرض شعارأو "لوجو" التلفزيون أم لا ؟ أم أنه يعانى مرض حُب الظهور و وجدها فرصة مناسبة لجرعة علاج؟!!.. وإذا كان "هيكل" المذكور قد صدع رؤسنا بمزاعمه عن تطوير العمل الإخبارى بالتلفزيون, فهل يَشرَح لنا علاقة هذا الخبر بما يزعُم ؟ أم أنه يستغل حاله السيولة والفوضى والإنفلات بالبلاد , وتسخير شاشة التلفزيون لصالحة والدعاية والترويج لجنابه ؟ أم أنه أراد أن يستغل شاشات الدنيا كلها فى نقل الخبر إجبارياً ,إذ أن خبر "قراره" لابد و أن يظهر على كل "الفضائيات" الناقلة للمحاكمة , لأنها تنقل ما يبثه التلفزيون المصرى كما هو, بما فى ذلك "الشعار" أو اللوجو الذى يتعلل به سبباً للإعفاء, بينما السبب الحقيقى للإعفاء هو "غرض" فى نفس هيكل , والغرض مرض بطبيعة الحال ..إذ المعروف للكافة أن التلفزيون "المصرى" هو الوحيد الى يتولى "حصرياً" نقل وقائع المحاكمات وبثها مباشرة على الهواء,وهذا أمر بديهى ولا يحتاج لدعاية أو إعلان ,إذ الدعاية هنا تضرب قيمة التلفزيون المصرى , وتقلل من شأنه . إذا تركنا الجانب المدهش فى القرار المشارإليه وهو حُب هيكل للظهور وإستغلاله لتلفزيون الدولة فى ذلك دون مقتضى, وإذا ضربنا صفحاً عن تصريحات هيكل البلهاء والمنشورة ببوابة الأهرام الإليكترونية عقب جلسة محاكمة مبارك بقليل , وهى التصريحات التى كاد يقول فيها أنه هو صاحب قرار مثول المخلوع مبارك أمام المحكمة , ومن حسن الحظ أنه لم يقل ذلك صراحة , وإنما حاول إيهامنا بأنه وليس غيره هو صاحب قرار بث المحاكمات على الهواء , وكأنه لا يعيش معنا ولا يعرف أن هذا النقل المباشر هو إستجابة لمطلب شعبى, وأنه قرار فوقى أكبر منه ومن "راعيه" الدكتور عصام شرف رئيس الحكومة , إذ هو إتجاه المجلس العسكرى بالأساس ,وأراد به المجلس أن يغلق باب الشائعات عن مبارك وأنجاله وهروبهم , وكى تكون المحاكمات شفافة معلنة للشعب, وهو إتجاه محمود للمجلس العسكرى ويٌحسب له , ثم صدر القرارب"البث المباشر" من مجلس القضاء الأعلى بإعتباره الجهة المختصة ,إحتراما من المجلس العسكرى لتلك الهيئة القضائية الموقرة. إذا عُدنا لقرار "هيكل" الذى تم بثه على الشاشة اثناء نقل المحاكمة , و تجاوزنا الجانب الشكلى المدهش والدعائى لشخصه ..فإن ذلك "القرار" بإعفاء الفضائيات الناقلة لمحاكمة المخلوع , مقابل إظهارها ل"شعار" التلفزيون المصرى , هو بمثابة كابوس مُزعجْ ,وينبئ عن أن "هيكل" ورغم حداثة توزيره , فأنه يتعامل مع التلفزيون كما لو كان "تكية" أو "عزبة" موروثة له عن العائلة الكريمة , إذ أنه يتصرف بجرأة شديدة على "المال العام" , وهى جرأة لم تعد مقبولة فى مصر بعد ثورة 25 يناير , بل إن مثل تلك الجرأة على المال العام هى مما راكم الغضب الشعبى ,وساهم فى قيام الثورة , ولكن كيف لهيكل أن يفهم ذلك ويستوعبه وهو من فلول النظام البائد وعملائه ؟.. تفصيلا وتوضيحاً للمسألة .. فإن التلفزيون المصرى هو المختص ببيع حقوق البث للفضائيات والأرضيات والإذاعات, ولمن أراد بشتى أرجاء المعمورة , وهذا هو "حق حصرى", ممنوح بالقانون تحديداً ل"إتحاد الإذاعة والتلفزيون" , كأحد المصادر المهمة لموارد الإتحاد وإيراداتة..أى أنه فى الحالة الماثلة فإن محاكمة المخلوع تمثل أحد المصادر المهمة لموارد "الإتحاد" طبقا للقانون , وذلك من خلال بيع حق البث للشبكات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية بكافة أنحاء العالم , وهى مناسبة تدر دخلا بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات لإتحاد الإذاعة والتلفزيون المدين ب14 مليار جنيه مصرى , وبالتالى فلا يملك أسامة هيكل "قانوناً" أن يُعفِى الفضائيات أو يتنازل لها عن ملايين الدولارات تمثل "أثمان" حق البث للمحاكمة ,مقابل أن تحتفظ هذه الأخيرة ب"شعار" التلفزيون المصرى , مع أنها مضطرة أصلاً للإحتفاظ به لأسباب فنية , فضلا عن أنه يمكن إلزامها بذلك فى التعاقد على حق النقل المباشر, والأخطر من ذلك أن وزير الإعلام أو أى "وزير" لا يملك طبقا لقانون المناقصات والمزايدات المُنظِم للتعاملات الحكومية بيعاً وشراءً , سلطة التصرف فى مثل هذه التعاملات ب"الأمر المباشر" بأكثر من 300 ألف جنيه , وطبقاً للقانون ,فإن أى تعامل مباشر بأكثر من هذا المبلغ يستلزم موافقة مجلس الوزراء مُسَبقاَ,ونكررها "مجلس" الوزراء كاملا وليس مجرد رئيسه , وهذا الذى يوجبه القانون هو السارى على حالات "البيع والشراء" إذا إعتبرنا المسألة بيع حق "البث" مقابل "الإعلان" عن الشعار, فى حين أن التوصيف الصحيح لقرار "هيكل" هو تنازل ممن لا يملك لمن لا يستحق, ونكون بصدد عملية أو "جريمة" إضرار عمدى بالمال العام وإهدار له ,إن صحً التعبير ,و آية ذلك والدليل عليه أن أنس الفقى وزير الإعلام السابق "محبوس" حاليا على ذمة القضية المتهم فيها ب"إهدارالمال العام والإضرار العمدى به" , بقيمة إجمالية مليون و888 ألف دولار أمريكى ,نظراً لقيامه بإعفاء القنوات الفضائية المصرية من سداد قيمة إشارة البث المباشرلمباريات كرة القدم للموسم الرياضى 2009 -2010 , وبداية موسم 2011 , بالمخالفة للقانون, وعدوانا على "إتحاد الإذاعة والتلفزيون" ,وحرماناً له وهو صاحب الحق القانونى من تحصيل هذه المبالغ والتى تقدر ب 12 مليون جنيه مصرى , وقد تضمنت أوراق التحقيقات فى القضية شهادة ممثلى القنوات المستفيدة ضد الفقى, بأنه قصد بهذا "الإعفاء" فرض سيطرته وتوجهاته على تلك القنوات , وهو سبب غير مٌقنع , لأن جهاز مباحث أمن الدولة كان متكفلاً بهذه الأمور.. ومادام أن الحال كذلك فإننا نطالب المجلس العسكرى ورئيس الوزراء والنائب العام بفتح تحقيق فى هذه القضية منعا لإهدار المال العام ,اللهم إلا إذا كان القصد من قرار "هيكل" هو إعطاء شهادة رسمية للفقى بأنه لم يرتكب جُرماً ,على إعتبار أن هيكل والفقى كليهما من فلول وعملاء النظام البائد , وبالتالى فإن من واجبهم أن يتساندون , ولكنها للأسف شهادة لن تنفع الفقى .. بل تُوقِع "هيكل" فى شرور الأعمال ,وقد تنتهى به إلى جوار الفقى فى محبسه.. لكى الله يا مصر. كاتب صحفى [email protected]