"سنقاتل الناس بالحب"، هكذا أسس الإمام الشهيد حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين قبل 86 عامًا، إلا أن ذلك الأساس الذى استطاع أن يصمد أمام الكثير من الأحداث، انهار أخيرًا، وبدلا من المحافظة على أسس البنا فى قتال الناس بالحب، بدأت شعارات أخرى تظهر، وأفعال تتبع، لنرى اليوم الذى يخرج فيه الشباب يهتفون باسم من يقاتلون الناس بالسيوف، يقطعون رقابهم يتلذذون بالنظر إلى دمائهم، ليحيدون بذلك عن دعوتهم، ويظلمونها باقترانها بأخرى لا تحمل إلا كفراً وتطرفاً ما أنزل الله بها من سلطان، والذى تحدث عنه البنا سابقًا، "هل من الإنصاف أن يتحمل الدين تبعة رجال انحرفوا عنه"؟؟ بعد وفاة حسن البنا وفى أشد فترات الصراع بين الجماعة وعبد الناصر والذى زج بالآلاف منهم فى المعتقلات، وأودى بحياة المئات، لم يحاول أحد من شباب الإخوان أن يرتدى حزامًا ناسفًا ويفجر نفسه فى وسيلة مواصلات، لم يتحولوا مع كل ذلك إلى إرهابيين متطرفين، بل حافظوا على مفهوم الدين الوسطى الذى كان إرثهم من معلمهم الأول "البنا"، ليطلق خليفته المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثأنى للجماعة، كتابًا بعنوان "دعاة لا قضاة" يتحدث فيه عن أن مهمتهم هى الدعوة إلى الله بالحسنى وليس إطلاق الأحكام على الناس وتكفيرهم، على الرغم من أن الهضيبى ألقى القبض عليه وحكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى الأشغال الشاقة. إلا أن ذلك الصبر على البلاء والتمسك بما قامت عليه الجماعة لم يستمر طويلاً، فما أن وصلت الجماعة إلى الحكم الذى قال عنه البنا "نحن لا نسعى للحكم، ولكن عليك أن تعرف أنه عندما تتحجب أغلب النساء، وعندما يطلق أغلب الرجال لحاهم، فإن الحكم سيسعى إلينا ملحاً، علينا أن نتقبله"، انصبت لعنته على الجماعة، لتغير فى غضون عام من عزلهم منه ما ظل راسخاً لدى الأغلبية منهم 80 عامًا، أو على الأقل خامداً ما هو عكسه. ساهمت الأحداث التى مرت على جماعة الإخوان منذ فض رابعة العدوية والنهضة وما أعقبها من أحداث سواء رمسيس أو 6 أكتوبر وغيرها، فضلاً عن حملة الاعتقالات إلى هدم تلك الثوابت داخل الجماعة، ونزع بدلا منها روح الثأر والرغبة فى الانتقام، استطاع البعض تقويمها واعتزل الحياة السياسية أو سافر خارج مصر، بينما أبى آخرون أن ينسحبوا فى هدوء، لجأ البعض إلى الانضمام إلى داعِش، التى وجدوا فيها ضالتهم، حيث لا صوت يعلو فوق نصل السيوف، ولا لون يغلب أكثر من الأحمر لون الدماء، إلا أن أعداد هؤلاء كانت محدودة، لينقسم المشهد إلى شقين، جزء يرفض ما تقوم به داعش ويؤكد أن ذلك ليس صحيحًا الإسلام الذى تربوا عليه، وأن ذلك التنظيم ليس سوى صنيعة أمريكية صهيونية، وآخرين يتملكهم الإعجاب بها يوماً بعد يوم، على الرغم من تكفيرها لهم عملياً، فداعش كفرت جماعة الإخوان، إلا أن ما يصبو إليه هؤلاء جاوز الجماعة ومبادئها وأهدافها. شباب الإخوان: نخشى على داعش دافع محمد كمال، أحد الكوادر الشباب بجماعة الإخوان، عن من يهتفون باسم داعش قائلاً: الهتافات الخاصة بداعش فى بعض المسيرات ليس شيئًا ممنهجًا أو خطة متبعة تعكس اتجاهًا تنظيميًا، وإنما هى تحركات فردية من قبل بعض من فى المسيرة، أطلقوها نكاية فى الدولة. وأضاف "كمال" ل"المصريون": "نحن لسنا فى حاجة إلى الدفاع عن أنفسنا أو التأكيد على تمسكنا بالسلمية، فتظاهراتنا منذ 3 يوليو حتى الآن كفيلة بذلك". وعن موقفهم من داعش، قال "كمال": "نحن ضد مواجهة أى تنظيمات مسلحة للدولة ليس خوفاً على النظام أو اعترافاً به، ولكن على تلك التنظيمات التى لن تستطيع أن تواجه ذلك النظام بكل الآليات التى فى يده، وتكاتف كل المؤسسات لمواجهته"، مشيراً إلى أن داعش فى العراق استطاعت أن تحقق نجاحات لسيطرتها على الأرض، وحماس لم تستطع أن تقوم بعمليات عسكرية ضد إسرائيل إلا بعد سيطرتها على قطاع غزة، أما فى مصر فسيناء تحت سيطرة مصر والجيش، ومهما كانت قبضتهم هشة عليها إلا أن ذلك لا يعنى أن داعش ستستطيع السيطرة عليها. وأكد "كمال"، فى الوقت ذاته، أن ذلك لا يعنى أن داعش لن تستطيع أن تكبد الجيش المصرى خسائر، فعلى المستوى النفسى والمعنوى يكون لها قدرة على زعزعة الأساطير من أن الجيش المصرى خير أجناد الأرض، وأنه لا يهزم، خاصة وأنه لم يدخل أى مواجهات منذ أكثر 30 عامًا، وبالتالى فجنوده ستنخفض روحهم المعنوية، وسيتكبد العديد من الخسائر ليس نفسياً فقط ولكن مادية أيضاً، حيث إنه يواجه حروب شوارع وهى الأصعب.
تحول خطير وقال سامح عيد، الخبير فى شئون الإسلام السياسي، إن ذلك التغيير تحول خطير ينذر بنتائج كارثية، وعلى عقلاء الإخوان أن يخرجوا لينكروا هذا الفعل، إذا كانوا ما يزالون متمسكين بتأكيداتهم السابقة بالسلمية، مشيراً إلى أن الهتاف باسم داعش دون إعلان رفضهم لذلك يعنى تبنى أفكارها من تكفير للجيوش والدول واعتبارها مرتدة واستباحة دمائها. وأكد "عيد"، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الدولة خلال الفترة الماضية تعاملت مع الإخوان بطريقة مختلفة عن تعاملها مع أنصار بيت المقدس، فمئات الآلاف من أعضاء الإخوان أحرار لم يتم القبض عليهم، كما يحصل العديد ممن يحاكمون على براءات، أما استمرار ذلك النهج وتلك الأفعال سيجبر الدولة على التعامل مع الإخوان بطريقة أخرى. واستنكر الخبير فى شئون الإسلام السياسي، الصمت الرسمى للجماعة على تلك الأفعال سواء بعدم الخروج ببيان رسمى يرفض ذلك أو حتى تصريحات أو تنويه عبر موقع "إخوان أون لاين"، قائلاً: الصمت يعنى الموافقة، وعلى الرغم من أن بعضًا من الشباب كفر بالسلمية وتحول تفكيره إلى الاتجاه القيادى وعدم اكتراثه بتلك البيانات إلا أن جزءًا آخر سيستمع لها. وفى ذات السياق، قال الدكتور عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن الجماعات الدينية تعانى من فجوة بين الرغبة والقدرة، موضحًا أن هتافات شباب الإخوان باسم "داعش " واستخدامها لشعاراتها ترجع إلى اعتراف الشيخ يوسف القرضاوى بإخوانية أبو بكر البغدادى زعيم داعش. وأكد أن هتاف شباب الإخوان باسم داعش سببه أيضا افتقاد همزات الوصل بين الجماعة وأفرادها بعد القبض على معظم قيادتها، مما جعلها تنساق إلى التقوية بداعش، مشيرًا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من شباب الإخوان معجب بداعش كنموذج له.
خبراء علم النفس: هناك عوامل جعلتهم يتركون الفكر الوسطى وأكدت الدكتورة هناء أبو شهدة، أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر، وجود عدة عوامل أثرت بالسلب على شباب جماعة الإخوان المسلمين، جعلتهم يتركون الفكر الوسطى ويهتفون باسم داعش رغم الوصف المسبق من قبل داعش بتكفيرهم، مشيرة إلى أن عملية فض رابعة والنهضة وما تعرض له الشباب ساعد على إثارة تلك الأفكار داخلهم وتنشيطها، وإن كان ذلك لا يمنع أنها موجودة بالأساس نتيجة عوامل عدة، إلا أن تلك الأحداث مثلت بيئة خصبة لتنشيطها. وقالت أبو شهدة، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، إن غياب الوعى الدينى أهم أسباب انحدار تفكير شباب الإخوان وانجرافهم وراء داعش، بالإضافة إلى التربية الخلقية والوسطية بالدين، مضيفة: كما أن الأزهر يتحمل جزءًا من المسئولية فى انسحاب شباب الإخوان وهتافهم باسم داعش بسبب تعليمه السطحى فقط دون التركيز على كسب الشباب والتأثير الصحيح فيهم. وأوضحت أستاذة علم النفس بجماعة الأزهر، أن غياب التربية سواء بالمنزل أو الجهة المعلمة "المدرسة أو الجامعة"، سبب مشارك بالتأكيد فى ثقافة وفكر الشباب. ورفضت "أبو شهدة" تحمل جماعة الإخوان المسئولية، قائلة: "مش كل حاجة نقول الإخوان ومش كل حاجة نحملها للإخوان فيه أشياء أخرى أهمها النشطاء السياسيين واللى 85 % منهم عملاء".
وأضافت: "كما أن الفقر والأوضاع التى تمر بها الدولة سبب أيضا فى خسارة تلك الفئة من الشباب، إضافة إلى أطفال الشوارع الذين لم يعدوا أطفالًا، بل أصبحوا يطالبون بحقهم فى الدولة. وحول كيفية سحب تلك الشباب عن العنف قالت أبو شهدة: "هذا الدور قائم على كل وسائل الإعلام، فيجب عليها عدم الترويج لفكر هؤلاء الشباب، أما الدولة لا وقت لها فوقت المفاوضات انتهى ونحن فى حالة حرب والوقت الراهن وقت عقاب".