دولة القانون والحق والعدل هي الدولة التي يٌكتب لها البقاء ما حافظت عليهم وتمسكت بهم وأعلت راياتهم، أما إذا تخلت أي دولة عن هذه القيم فسرعان ما تتهاوي أركانها وتسقط عروشها وإن كانت تملك من أسباب القوة ما يساهم في بقائها لفترة أطول، فكما قيل في الأثر، العدل اساس الملك، وقال إبن خلدون "فساد القضاء يفضي إلي نهاية الدولة"، فليست القوة هي أساس الملك، وحين يضجر الناس من الظلم والجور وضياع الحق والعدل والانصاف، ويشعرون أنهم يعيشون في غابة أو فيما يسمي دولة بشريعة الغاب، فسرعان ما يفقدون الإنتماء والأمل. والعدالة الناجزة تعد أداة مهمة جدا من أدوات إستقرار الدول، بما يسهم في نمو الإحساس بالامان، ومن ثم الشعور بالإنتماء لدي المواطنين والذي ينعكس علي زيادة الإنتاج بما يوفر الرفاهية للشعوب، وإذا أرادت مصر الجديدة التي قامت بثورتين عظيمتين في غضون ثلاث سنوات أن تضع قدمها علي بداية طريق النهضة والتقدم واللحاق بركب الامم المتقدمة، والمشاركة بفاعلية في بناء الحضارة الحديثة، التي تخلفنا عنها كثيرا، فعليها أن تؤسس لدولة العدل والقانون، فحين يشعر المواطن العادي بأن حقه لن يضيع، وبأنه يستطيع أن يحصل علي حقوقه كاملة بواسطة دولة العدل والقانون من أي معتدي أو ظالم أو صاحب نفوذ فإنه سيطمئن قلبه وسيأمن علي ماله وعرضه وولده، بما يساهم في زيادة إنتمائه وإنتاجه والدفاع عن وطنه، وعلي النقيض من هذا تماما فإذا شعر المواطن بغياب العدالة أو تأخرها للدرجة التي تتساوي فيها وجودها من عدمه، فإن القنوط سيتسرب إلي روحه وسيتحول من التوجه الإيجابي تجاه الذات والمجتمع إلي السلبية بما يؤثر تأثيرا مباشرا علي إنتمائه و طاقته الإنتاجية . والبداية تكون –بلا خجل أو خداع للذات- من تنقية قوانيننا وتشريعاتنا من العوار والاخطاء التي تشملها، وما أكثرها، فيجب نسف القوانين التي صدرت لخدمة فئة معينة، أو صدرت للحفاظ علي مصالح أناس محددة، وكذلك يجب تنقية كافة مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها القضاء، من بعض المنتسبين إليه –وهم قلة- والذين يسيئون إليه، وذلك من خلال الرقابة الذاتية الحازمة والمراجعة المستمرة للتخلص ممن يثبت عدم صلاحيتهم لإنخراطهم بالعمل السياسي أو المحاباة لهذا أو لذاك، أو لأي سبب آخر، فنحن نعلم بأن النقاط السوداء تظهر دائما جلية في الثوب الابيض، فالتصحيح الذاتي هو افضل أنواع التصحيح، وكذلك لكي يصبح القضاء القدوة التي تقتدي بها كل مؤسسات المجتمع، فلا مصلحة لاحد من التستر علي فاسد أو الدفاع عن مذنب، ولا يعيب القضاء أو أي مؤسسة أخري وجود بعض العناصر التي لا تصلح للإنتساب إليها، ولكن ما يعيب أي مؤسسة هو أن تعلم بوجود مثل هذه العناصر ولا تتخذ التدابير اللازمة من أجل التخلص من مثل هؤلاء، فما أحوج مصر الجديدة إلي التخلص من كل من يسئ إلي مؤسساتها و لا يعمل من أجلها ومن أجل رفعتها. القضاء هو الملاذ الأخير للكافة، ويجب أن يتيقن كافة أبناء الوطن أن ملاذهم الأخير بخير، حينها ستطمئن قلوبهم علي مصائرهم ومظالمهم، فيقبلون علي بناء مصر التي نحلم بها.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.