صناعة الإرهابي تبدأ ب «غسيل الدماغ».. وزراعة الأفكار وتنتهي بالوقوع في فخ التطرف لهذه الأسباب.. يلقى فنانون ولاعبو كرة ومشاهير أنفسهم في أرحام التنظيمات الإرهابية
وكأن الإرهاب لا يفنى ولكنه يستحدث من العدم، تلك الفكرة الأكثر تطرفًا والتى خلقت وتبلورت خطاها بداية من تنظيم القاعدة الذى سرعان ما شهد انهيارًا حقيقيًا بعد مقتل زعيمه أسامه بن لادن، ليظهر لنا ألف قاعدة تنهش فى أجسادنا العربية دون رحمة أو شفقة لتتجسد فى تنظيم "داعش" الإرهابى الذى وصف بالأخطر والأشرس ليس لكونه يحلم بتكوين دويلات تحميها إمارة إسلامية تهيمن على البلدان العربية وتخضعها لفكرها المتطرف فحسب، وإنما لتلك القدرة الغامضة على استهداف شباب أبعد ما يكون عن التطرف ليقعوا فى شباك ذلك الوحش الجديد، لتتطور صناعة الإرهابى من صورته التقليدية المتمثلة فى ذلك الشخص الفقير الساخط ذو اللحية الغبره، والجلباب القصير والنظرة التى تتطاير منها الشرر، والصوت الأجش الغاضب والذى يذهب بأقدامه ويرتمى فى أحضان التنظيمات الإرهابية، إلى الأشخاص الأبعد ما يكون عن التطرف لنجد لاعب كرة شهير وفنان وضابط شرطة وطالب جامعى مرفه لا ينقصه شيئاً يلقون بأنفسهم فى رحم تلك التنظيمات ليولدوا من جديد بوجه جديد .. كشفت مؤخرًا صحيفة بريطانية انضمام لاعب سابق في “أرسنال” الإنجليزي، “تحول من نجم رياضى إلى أحد الإرهابيين الجهاديين" نفى التنظيم الداعشى دون سابق إنذار حتى أن اللاعب استبدل صورة مع نجوم الفريق بصُور ببندقية من طراز (AK47)، معلنًا الجهاد، في مقطعي فيديو نشرهما، ومن لاعب الكرة الأوربى إلى أحمد الدروى ضابط مصرى سابق، أو كما لقب فى التنظيم الداعشى بأبو معاذ المصرى ذلك القائد الذى قتل مؤخرًا ليكشف النقاب عن قصه هى الأغرب فيمن انضموا للتنظيمات الإرهابية المسلحة، واللافت أن الدروى لم يتحول بليلة وضحاها إلى إرهابى متمرس فى فنون الجهاد حيث كانت بداية هى خسارته فى انتخابات برلمان 2012، لتتغير أفكاره المؤيدة للثورة إلى تأييد لنظام الإخوان حتى استقر به الأمر فى تركيا بعدما اقتنع تمام الاقتناع بأن الديمقراطية كفر . ومن الدروى ل محمود الغندور طالب الحقوق، المعروف هوسه بالموسيقى وتقليد الفنانين حتى أن أصدقاءه شهدوا تحولاً خطيرًا فى سلوكه وتعمده الاستهزاء بالأديان مما جعلهم يصفوه بالملحد وكانت المفاجأة تحوله إلى شخص ملتزم دينيًا بصورة أذهلتهم وبدأت تسيطر عليه فكرة الجهاد، الغندور، الذى حمل السلاح بدلًا من آلات الموسيقى التى كان يعشقها، وكان سر تحوله صديق له يدعى يكن، صاحبه منذ بداية تطوره فكريًا وسخريته من الأديان إلى أن وصل به الأمر للاقتناع التام بفكرة الجهاد المسلح والانضمام إلى داعش فى سوريا وهو مقتنع تمامًا بأفكارها. ليطل التساؤل الأصعب كيف يُصنع الإرهابى؟ وما مراحل تحوله وتطوره؟
غسيل الدماغ يبدأ بزراعة الأفكار.. وضخ الأموال محمد على بلال الخبير العسكرى وقائد القوات المصرية فى حرب الخليج، كشف النقاب عن أخطر طرق صناعة الإرهابى، والتى تعتمد على محورين أساسيين "علم النفس وعلم المال" قائلاً "زراعة الأفكار وغسيل الدماغ الممنهج طالما كانا أهم عناصر صناعة الإرهابى، و يعتمدا على تحويل الشخص من إنسان سوى على الفطرة، إلى إرهابى ذو قلب وضمير لا يشعر يستطيع تنفيذ الأوامر بإتقان شديد وبلا شعور بتأنيب الضمير، وتابع بلال "تعتمد الجماعات الإرهابية المنظمة على استقطاب الأشخاص واللعب على مشاعرهم وتحويلهم فى بداية الأمر إلى شخص ناقم على المجتمع والنظام الحاكم عن طريق اللعب فى عقول هؤلاء الأشخاص وإقناعهم بالأفكار بل وإيهامهم بأنها أفكارهم الشخصية ولم تتم زراعتها فى رءوسهم ليصل الشخص إلى قناعة تامة بأنه هو صاحب تلك الرؤية ومؤمن بها وفى تلك الأثناء يظهر رفقاء من التنظيم يشاركونه آراءه فيبدأ يشعر أن الجميع حوله مقتنعون، وتبدأ المرحلة الأخطر وهى تحويله إلى آلة تسمع وتنفذ الأوامر، بحيث يطلب منه "تفجير" فينفذه وهو مقتنع أشد الاقتناع بضرورة تنفيذ ما طلب منه حتى إذا طلبت منه المنظمة الإرهابية تفجير نفسه يمثل لأوامرهم كواجب عليه الطاعة، وفى تلك المرحلة تلعب المنظمات الإرهابية على وتر العلاقات الإنسانية ويظهر جانب المال فتقنعه أنها سترعى أسرته وأولاده وعائلتهم بعد وفاته بتخصيص دخل ثابت لهم يمنحهم حياة كريمة، وفى بعض الحالات يتم تأهيلهم إلى الإيمان بأن القتل والتفجير ما هو إلا قصاص واجب عليهم وطريق للجنة. ولكن ماذا عن اختلاف المستويات الفكرية للأشخاص وهل هذه الطرق تنجح مع الغنى والفقير المتعلم والجاهل؟ يجيب بلال "زراعه الأفكار" تعتمد فى المقام الأول على دراسة طبيعة الشخص فهى متغيرة على حسب الأشخاص، حيث تدرس تلك التنظيمات أى مدخل ستدخل به للهدف وتمنحه الجرعة التى يحتاجها وتتلاءم مع طبيعته ووظيفته وظروفه الاجتماعية فلم يكن غريبًا أن نرى عالمًا ينضم إلى داعش إلى جانب فقير معدم، كلاعب كرة وخلافه حيث يتم توجيههم كل حسب أوجه الاستفادة منه فمن يصنع القنابل مثلاً بالضرورة أن يكون متفوقًا علميًا ومع ذلك نجحوا فى تجنيده .
من رحم البيئة العدائية يولد الإرهابى أحمد بان، الخبير في الحركات الإسلامية، أكد أن هناك عدة طرق لصناعة شخص إرهابي عدائي للدولة, أهمها البيئة الاجتماعية والتنشئة الثقافية وتعامل مؤسسات الدولة نفسها مع هؤلاء الأشخاص . وأشار"بان" إلى أن بيئة اليأس والإحباط التي يتعرض لها الأشخاص تؤهلهم لهذا اللقب، شخص يتطلع إلي الخلاص خاصة إذا تعرض لمجموعات تنمي لديه فكرة العنف ومعاداة الدولة والتي تسيطر عليه تمامًا بالشكل الذي يسمح له بأكثر من ذلك بطريقتهم الخاصة. حيث يكون المبدأ المفاضلة بين الدنيا والآخرة . وبعض التصورات المتعسفة عن حقيقة الجهاد الذي يناصر النظام الحاكم في العداء . واعتبر أن أحد أبرز النماذج التي قامت بمراجعة فكرية لطبيعة تفكيرها كانت الجماعة الإسلامية في مصر, ومثال حي لها الدكتور ناجح إبراهيم. وأشار إلى أن الشخص الذي يتحول تفكيره من الفكر الإرهابي إلي الفكر السوي يحدث ذلك لديه بعدما يدرك الطبيعة الحقيقية للواقع الذي يختلف عن طبيعة ما أوهمته به تلك الجماعات, خاصة عندما يجد أنه فشل في المعطيات التي تواردت له. وشدد "بان" علي أنه لا حل مع هذه الظاهرة إلا من خلال أن تتجسد الدولة بمؤسساتها بحق, وأن تعود هذه المؤسسات لأداء دورها في تجسد قيم الأخلاق الحقيقية من التربية والتعليم والأزهر, مؤكدًا ضرورة عدم توظيف الأزهر سياسيًا وأن يتصدر دوره في التثقيف الديني والأخلاقي وليس السياسي. واعتبر "بان" أن هناك تهميشًا حادًا ومطلقًا لدور الشباب، مشددًا علي ضرورة أن يقوم النظام ممثلاً في كل مؤسساته باحتواء الشباب واستقطابهم, ومحاورتهم لتجنب استغلال الجماعات الإرهابية لمثل تلك الفرص التي تشجع الشباب للإقبال علي هذه الجماعات وأعمالها.
التشكيك فى ثوابت الدين أول خطوات الانحراف الفكرى.. الذى يصنع إرهابيًا بجلباب جميعنا نولد على الفطرة والدين الصحيح، وبمجرد التشكيك فى أصول الدين يبدأ الانحراف، بتلك الكلمات أرجع وكيل وزارة الأوقاف الدكتور سيد عبود تورط شباب كثيرين فى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية والتنظيمات الدولية التى ترعى الإرهاب وتسفك الدماء بدعوى الدين وهى أبعد ما تكون عن ذلك، مؤكدًا أن الفهم الخاطئ للدين الإسلامى وتحريف الآيات والأحاديث واستغلالها فى توجيه الشباب إلى الجهاد المسلح من أجل أغراض دنيوية هو أحد أهم أسباب انتشار الإرهاب، حيث يولد الإنسان على الفطرة فيخدعوه تارة بالمناصب وتارة بأنهم يطبقون الدين وبتلك الطرق يصنعون إرهابيًا ممنهجًا ويخدعون شباب ليقتل نفسه من أجل مصالح شخصية وصراعات. وأضاف عبود، أن الشباب الصغار معذورون لأنهم يرون نماذج كبرى من المفترض أنها تمثل لهم الدين تحرضهم على القتل وسفك الدماء وتقنعهم بذلك بكل الطرق. على الرغم من أننا مجتمعات فطرتها صحيح الدين، إلا أن المتاجرة بالدين واعتباره سلعة تباع وتشترى واستغلال ذلك الوتر عند الشباب الصغير لأغراض ماليه تارة ومصالح دنيوية تارة أخرى جعلت بعض الشباب يتورط فى أعمال عنف إرهابية مع الوضع فى الاعتبار قيام الجماعات الإرهابية بتقديم ما يوضح لهؤلاء الشباب أن ما يفعلونه صحيحًا حينما يضحوا بأحد أبنائهم فيقتل أو يسجن وكأنهم يقولون لهم نحن مثلكم نضحى وعليكم أن تضحوا مثلنا وهو خداع كبير يتعرض له الشباب . بالإضافة إلى الإعلام الموجه من خلال التشكيك فى أصول الدين، والذى لن ينتهى إلا بالاهتمام بالمؤسسات العامة للدولة والتى تحتاج إلى نوع من تصحيح الفكر، وهو الأمر الذى بدأته الأوقاف وتجتهد فيه وتلاها الأزهر الشريف فى ذلك لضبط جماح الشباب الثائر خاصة فى مرحلة الثورات وما يعقبها من فوضى عارمة تحتاج إلى من يضبطها.
خبير نفسى: هؤلاء من يصنعون من الشباب إرهابيين من جانبها قالت الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن صناعة شخصية عنيفة تقدم علي الإرهاب ترتبط بعدة محاور أهمها التكوين الشخصي والنفسي للإنسان، حيث يتوقف علي مدي الحالة التي يعيشها سواء شخصًا عدوانيًا لديه شعور متنامي بالغيرة والحقد والحسد ولديه استعداد نفسي للإقبال علي مثل هذا الفعل والمشاركة في الإرهاب، خاصة أنه يعزز لديه بمشاهد الدماء والقتل والعنف. وأكدت "كريم" أن المحور الثاني والأهم هى الظروف التي يعيشها الإنسان والتي تخلق منه شخصًا إرهابيًا نتيجة الظروف القاسية من ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها . وغالبًا ما تتوجس الأفكار في هذه الحالة للأفراد الذين يعانون عدم القدرة علي الوفاء باحتياجاته ومتطلباته فيكون الإرهاب والعنف هو سبيله للخلاص والانتقام من الظروف التي وضع فيها. وأشارت إلى أن هناك جزءًا آخر يتعلق بالطبيعة البشرية الانفعالية فأي إنسان يتعرض لأي عمليات عنف سواء خاصة به أو داخل محيطه الاجتماعي, تحفز انفعاله علي التصدي لتلك العنف ومقاومته بعنف آخر وتنقلب إلي عمليات عنف مضاد ينتج عنها زيادة الحدة بالقهر والظلم مما يظهر ظاهرة أخري وهي الثأر والانتقام . وشددت "كريم" علي ضرورة أن تتجه الدولة ومؤسساتها إلي الحد من عملية زيادة حدة تمرد الفئة العمرية للشباب لاسيما شباب الجامعات في ظل ما يواجهوه من عنف وتعقب وقمع, مؤكدة أن السلطة يجب عليها أن تبدأ باستقطاب الشباب ومحاولة احتوائهم. كما أشارت إلى أن أحد العوامل وراء استقطاب الشباب في هذه المرحلة العمرية هو التعامل معهم بحيادية وثقة وإعطائهم مسئولية بناء البلاد لأنهم هم المستقبل, وكل ذلك لن يأتي منفردًا فكل مؤسسات الدولة بداية من الجامعة التي يجب علي رئيسها الوقوف بجانب الطلاب أحد أهم عوامل إصلاح الأمر.