جدل تاريخي لم يحسمه الفقهاء يتجدد مع مظاهرات 28نوفمبر أثارت "الثورة الإسلامية"، جدلاً واسعًا في الفترة الأخيرة، بعد أن دعت "الجبهة السلفية"، أحد مكونات "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، مدعومة من قوى إسلامية إلى التظاهر تحت شعار "الثورة الإسلامية" في 28نوفمبر الجاري، للمطالبة بتطبيق شرع الله، وهو ما ردت عليه قوى أخرى سواء من خارج التيار الإسلامي أو داخله بوصف المشاركين في هذا اليوم ب "الخوارج". ويفتح ذلك الباب أمام طرح العديد من التساؤلات حول مفهوم "الثورة الإسلامية"، وتسليط الضوء عليها تاريخيًا، ومسمياتها المختلفة. كلمة "الثورة"، وردت في البيان القرآني والسيرة النبوية بمعانٍ عدة ومن بينها "الهياج والانقلاب والتغيير والوثوب والانتشار والغضب"، فكانت في سورة الروم بمعنى التغيير في الآية الكريمة "أَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا"، كما جاءت في سورة الشورى بمعنى الانتصار للمظلوم في الآية الكريمة "وَالَّذِينَ إِذَا أصابهمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ"، كما جاءت أيضًا بمعنى الحركة في قوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا". لكن لم تأتِ كلمة الثورة للدلالة على التغيير السياسي في حين جرى استخدام عدة مصطلحات في الثقافة الإسلامية للدلالة على معانٍ مشتركة فيما بينها مع مفهوم الثورة في العصر الحديث، فتم استخدام مصطلحات "التغيير والإصلاح والتجديد والتعمير. واختلفت الفقهاء حول مسألة الثورة على الحاكم باستخدام القوة، فعلى الرغم من اتفاق جميع التيارات الفكرية الإسلامية التي انحازت للثورة نظريًا أو عمليًا وقررت مشروعيتها قد استندت إلى أن القرآن أوجب على الأمة متضامنة متكافلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا اقتضى النهوض بهذا التكليف استخدام الفعل بعد القول والاستعانة بالقوة التي اصطلحوا تسميتها بقضية السيف كان ذلك مشروعًا لدى البعض وواجبًا لدى البعض الآخر. إلا أن أصحاب الحديث وأبرز أئمتهم أحمد بن حنبل انفردوا وحدهم ودون فرق ومدارس الفكر الإسلامي بتحريم السيف وإنكار الخروج المسلح على أئمة الجور وظلمة الحكام، وقد استندوا في موقفهم هذا إلى اعتزال نفر من الصحابة للفتن والصراعات التي شبت في صدر الإسلام. ولقد تبع ابن تيمية ،موقف أستاذه ابن حنبل المعادي للثورة وأورد تأييدًا لهذا الموقف وقال: "إن المشهور من أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم. لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة فيدفع أعظم الفاسدين بالتزام الأدنى". ليثير هذا الاختلاف مسألة فقهية شائكة، فيقول عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي، إن مصطلح الثورة الإسلامية غير موجود في التاريخ الإسلامي وهو استخدم سياسيًا لأمور دنيوية ليست لها أية علاقة بالدين من قريب أو بعيد، موضحًا أن المصطلح جاء لتهييج مشاعر الجماهير والرأي العام من أجل تحقيق أهداف تخص فرقًا بعينها. وعلق باشا على الدعوة إلى التظاهر في 28 نوفمبر، قائلاً: "مَن يخرج في هذا اليوم فهو آثم آثم آثم ويتحمل وذر النزول في هذا اليوم دون غيره"، مؤكدًا أن هناك فئة تحاول تفسير بعض المصطلحات لصالحها فتسعى لما يسمى الثورة الإسلامية دون أن يكون لها أي وجود في التاريخ. أما الدكتور محمد جمعة، أستاذ الفقه الإسلامي، فيقول إن هناك إشكالية في مفاهيم المصطلحات المتداولة في الأوساط الاجتماعية والسياسية ومن بين تلك المصطلحات الشائكة "المدنية والعلمانية والإسلامية"، موضحًا أن تفريغ المصطلحات من مضمونها يتسبب في أزمات كبيرة داخل الأوساط المجتمعية. وعن الثورة الإسلامية، قال إن هذا المصطلح يمكن إطلاقه في حالة قيام ثورة من طرف إسلامي على حاكم غير إسلامي أو حاكم يقف عائقًا في وجه تطبيق الشريعة الإسلامية، مشددًا على أن هناك استخدامًا للمصطلح من أجل الترويج لعمل سياسي في الأوساط المجتمعية. وأشار إلى أن هناك نقطة تتعلق بدعوة أنصار السلفية لثورة في حين كان مشايخهم الأولون يواجهون أي خروج على الحاكم، مشددًا على أن السلفية لها أقسام عدة وتتعدد بتعدد مشايخها وهو أمر دخيل على الإسلام لأن هذا الدين دين جامع وليس دين جماعات. بينما المشاركون يستندون عليها في مسألة الخروج والتظاهر تحت شعار الثورة الإسلامية. ويقول حازم خاطر، منسق عام حركة "صامدون" وأحد المشاركين، إن الثورة الإسلامية موجودة في التاريخ الإسلامي وهناك الكثير من الحركات التحررية التي سعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. وأضاف إن النزول في هذا اليوم سيكون بداية انتفاضة كبيرة تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بكل أركانها. ودعت "الجبهة" السلفية في وقت سابق، هذا الشهر، إلى "الثورة الإسلامية" أو "انتفاضة الشباب المسلم"، يوم 28 نوفمبر الجاري، مطالبة ب "فرض الهوية الإسلامية دون تمويه، ورفض الهيمنة على القرارات السياسية والاقتصادية، وإسقاط حكم العسكر". والجبهة السلفية" تعرف نفسها على أنها رابطة تضم عدة رموز إسلامية وسلفية مستقلة؛ كما تضم عدة تكتلات دعوية من نفس الاتجاه ينتمون إلى محافظات مختلفة في مصر، وهي إحدى مكونات “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب” الداعم لمرسي. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الدعوة إلى "ثورة إسلامية" صراحة بمصر منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013. وأثارت تلك الدعوة حفيظة قوى سياسية مؤيدة للسلطات الحالية، محسوبة على التيار الإسلامي في مقدمتها، "الدعوة السلفية" وحزب النور (سلفي) المنبثق عنها.