في آخر تصريحاته التي أطلقها خلال مراسم أقيمت في القدسالمحتلة يوم الخميس الماضي (21/7/2011)، قال رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو: “إن السلام بين “إسرائيل” وجاراتها يبدو مستحيلاً”، ثم عاد واستدرك وقال: “بالرغم من أن السلام يبدو بعيد المنال، وأنه سيكون هناك الكثير من العقبات على طريق تحقيقه، إلا أن السلام بيننا وبين جيراننا سيتحقق”! وكان سبق له القول، قبل أسابيع قليلة، أن “الصراع العربي- “الإسرائيلي” هو صراع لا حل له” . هذا التصريح يكشف حقيقة ما يعانيه نتنياهو وزملاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم من تخبط ورؤية غير واضحة، وينفع أن يكون عينة عشوائية لكل تصريحات بل وتصرفات المسؤولين في الحكومة “الإسرائيلية” الحالية بعد وجودهم أكثر من عامين في السلطة . فبين “الصراع الذي لا حل له” و”المستحيل”، وبين “بعيد المنال” مسافة كبيرة لكنها عند نتنياهو تبدو تعبيرات مترادفة يمكن أن تحل الواحدة محل الأخرى في فقرة واحدة بسهولة ويسر شديدين، وهو ما يظهرعكس ما يحاول نتنياهو أن يبطن . ففي الوقت الذي يريد فيه أن يعكس قدراً أكبر من الثقة، تعكس تصريحاته قدراً أكبر من عدم الثقة والتخبط . لسنا نحن فقط الذين نقول ذلك بل كثيرون من أصحاب الرأي في الكيان الصهيوني يرونه في سياسات نتنياهو، سواء ما يتعلق بتوسيع عمليات مصادرة الأراضي أو توسيع عمليات البناء في المستوطنات، أو التسارع في إصدار القوانين والتشريعات العنصرية والفاشية، وإعطاء الكلمة الأخيرة في الدولة للحاخامات ورجال الدين المتطرفين والمستوطنين و”شبيبة التلال” بما ينهي أكذوبة “الواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، أو في المواقف المتحدية للقانون الدولي ولشعوب العالم ودوله، بمن فيهم أقرب الحلفاء كالولاياتالمتحدةالأمريكية . . . إنهم يرون في ذلك دفعاً للكيان إلى الهاوية . السؤال الذي تطرحه تصريحات وتصرفات نتنياهو هو: من أين يستمد نتنياهو ثقته الزائدة، حتى لو لم تكن حقيقية؟ القانون الأساسي بالنسبة لنتنياهو وشركائه هو “قانون القوة” . إنه يحاول أن يتجاهل ما يقوله كثير من قادته وخبرائه العسكريين من أن قوة “إسرائيل” ليست مطلقة، وقد ثبت أن لها حدوداً حتى مع امتلاكها للسلاح النووي في منطقة لا تملكه . وتكفي تجربته مع لبنان في حرب تموز 2006 لتقنعه لو كان من النوع الذي يقتنع . لقد أصبح يتفاخر بأن “الهدوء” على الجبهة اللبنانية هو أعظم إنجازات هذه القوة “الإسرائيلية”، مع أن “الهدوء” لم يكن يوما إنجازاً في عرف هذا الكيان العدواني التوسعي . لقد أصبحت “الجبهة الداخلية” وما يمكن أن يتعرض له سكان تل أبيب الهم الأكبر للقيادة العسكرية “الإسرائيلية” التي لم يخطر يوما ببالها أن تشوش أي حرب تخوضها على الحياة اليومية العادية حتى على الأشرطة الحدودية لها . مع ذلك، لا يزال التهديد بالقوة واستخدامها هو المصدر الأول الذي يستمد منه نتنياهو والقادة “الإسرائيليون” ثقتهم بأن “السلام بين “إسرائيل” وجاراتها سيتحقق” في نهاية المطاف وبالشروط “الإسرائيلية” . إلى جانب “قوة “إسرائيل””، يستمد نتنياهو والقادة “الإسرائيليون” ثقتهم من “قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية” المنحازة بالكامل إلى جانبهم مهما عملوا ومهما ارتكبوا من جرائم ومخالفات ضد القانون الدولي، لكن الشواهد كثيرة على أن الأغلبية من الشعب الأمريكي أصبحت ترى في “إسرائيل” عبئاً على دافع الضرائب الأمريكي، بل وكثير من اليهود الأمريكيين أصبحوا يؤيدون هذا الرأي وإن كانوا حتى الآن مجبرين على دعم سياسات الجالس في رئاسةالحكومة “الإسرائيلية” . أما الإدارات الأمريكية فلا تختلف عن هذا الموقف وإن كانت اللوبيات الصهيونية ما زالت قادرة على تجنيد مجلسي الكونغرس على إجبارها على الدفاع عن السياسات “الإسرائيلية” وحماية الكيان ضد كل من يقف ضد هذه السياسات . وهناك مصدر ثالث يستمد نتنياهو ثقته الزائدة منه، هو ما يبدو من عجز رسمي عربي (شبه استسلام رسمي فلسطيني) . وبالرغم من رياح التغيير التي بدأت تهب على البلدان العربية مع مطلع العام الجاري، فإن القلق “الإسرائيلي” لا يبدو كبيراً حتى الآن، وذلك لعدم وضوح توجهات الانتفاضات العربية ومواقفها من الصراع العربي- الصهيوني من جهة، ولغياب رياح التغيير عن الواقع الفلسطيني حتى الآن من جهة أخرى . إنه ليس من المبالغة في شيء أن نقول، إن التغيير في البلدان العربية قد بدأ، وإن بدا حتى الآن متعثراً أو تشوبه الفوضى، ولن تكون هناك رجعة إلى الوراء مهما حاول أعداء التغيير ذلك . وإذا كانت المصادر “الإسرائيلية” تسرب بين يوم وآخر خبراً عن أن المسؤولين في هذا البلد أو ذاك قد أخبروها أن سياستهم مع الكيان ستبقى كما هي، فإنه في نهاية المطاف ستصحو القيادات “الإسرائيلية” قريباً على مواقف وسياسات مغايرة تماماً . ما لا يريد نتنياهو وأمثاله أن يصدقه هو أنه وكيانه يتشبثون بقوانين ومفاهيم وسياسات لم يعد يتحملها عالم القرن الواحد والعشرين، وهو ما يجعل الثقة غير المبررة بالنفس تعمل في الاتجاه المعاكس . نقلا عن الخليج: