الملاحظة الملفتة للانتباه في الأحداث التي يشهدها ميدان التحرير خلال الأسابيع الأخيرة بما في ذلك عمليات إغلاق مجمع التحرير والتهديد بقطع الكباري وإغلاق مترو الأنفاق والهجوم على قناة السويس لوقف المجرى الملاحي لتركيع اقتصاد مصر والمسيرات المجنونة إلى مقر المجلس العسكري بما يفتح الباب على صدام دموي ، كل هذه الأحداث لم نسمع أبدا رأي الدكتور محمد البرادعي فيها ، لا بتأييد ولا بإنكار أو اعتراض أو نصح للشباب بالتوقف عن هذا العبث ، هل لذلك أي تفسير سوى تفسير واحد ، إن الشباب أنفسهم تبرأوا من تلك الأعمال واتهموا بعض المندسين وسطهم بأنهم هم الذين فعلوا ذلك ، حتى مسيرة المجلس العسكري أول أمس قالت 6 أبريل أنها ليست مسؤولة عنها ، لماذا لم يعترض البرادعي أو يسجل موقفه الواضح رغم أنه يتكلم كل يوم تقريبا أو يكتب رسالة على صفحته أو صحف محلية وأجنبية ، لماذا لزم الصمت تجاه هذه الأحداث رغم أن الجميع تكلم فيها وعنها ، هل وافق عليها أم هو يرفضها ، أم الاحتمال المتداول أكثر وهو أنه المحرض عليها . المسيرة إلى المجلس العسكري انتهت إلى هزيمة سياسية لقوى التطرف التي تحاول اختطاف ميدان التحرير ومصادرته باسم الثورة ، رغم أن القوى الموجودة الآن لا تمثل عشرة في المائة من قوى الثورة الحقيقية ، كما أن الأعداد الموجودة وتتحدث نيابة عن الثورة لا تمثل واحدا في المائة من أبناء ثورة يناير ، الهزيمة السياسية التي تصل إلى حد الفضيحة جعلت الجميع يتهرب من المسؤولية عن التصرف المجنون الذي حدث ، وتبادلوا الاتهامات عن المسؤول عن هذا التحرك غير المسؤول ، وأعتقد أن المتطرفين والمأجورين لن يفكروا مرة أخرى في تكرار التجربة ، لأنه إذا كان الأهالي العاديون قد تصدوا لهم هذه المرة ، فالمؤكد أن المرة المقبلة ستتحرك قوى شعبية أخرى منظمة ، ومن أبناء الثورة ، للدفاع عن مؤسسات الوطن وأمنه وسلامته . وعلى الرغم من الإثارة التي أحدثتها وقائع ميدان العباسية الجمعة والسبت إلا أني مندهش من القلق الزائد لدى بعض القوى وإلى الحد الذي يطالب البعض بإجراءات استثنائية ، لا أتصور أن الخطر في مصر يصل إلى هذا الحد ، ما حدث مجرد مشاغبات صغيرة ، يمكن السيطرة عليها بسهولة ، فمصر ليست ميدان التحرير ولا ميدان العباسية ولا مصطفى محمود ولا ميدان روكسي مثلا ، مصر أكبر من خيال هؤلاء المغامرين ، ولولا الشحن المقنن والمستمر من قنوات غسيل الأموال ، والمتابعة المتكلفة على مدار الساعة لأي مائة ناشط في ميدان التحرير يمسكون لافتة ، لما سمع أحد في مصر ولا خارجها عنهم شيئا ، فالحياة تمضي والقوى السياسية الكبيرة لا تنشغل كثيرا بما يحدث ، وتنشغل بترتيب أوراقها وخريطتها الشعبية للاستحقاق الانتخابي ، وحدهم هؤلاء المغامرون الذين يعرفون أنهم غير مقبولين شعبيا ولا يملكون أي قواعد جماهيرية ولن يحققوا أي مكاسب في أي استحقاق انتخابي شعبي شفاف ، وحدهم الذين يثيرون الغبار الكثيف في الصحف والفضائيات وميدان التحرير ، لأنهم يعرفون أنه آخر معاركهم ، ويستغلون الهيبة التي حققها الميدان أثناء الثورة ، لكي ينفقوا من رصيد الثورة وتراثها بما لم يفوضهم به أحد ، ولم يسمح لهم به أحد من قوى الثورة وشركائها . الجمعة المقبلة سيكون الموعد مع مليونية حقيقية تعيد فيها قوى الثورة الرئيسية تذكير الجميع ، في الداخل والخارج بالخريطة الحقيقية لمصر الثورة ، وليست الخريطة المزيفة التي يحاول ترويجها متطرفون متمولون من الخارج ، لم يعودوا يأنفون من الاعتراف على الهواء مباشرة بأنهم متمولون وأنهم حصلوا على تدريبات في عواصم غربية ، الجمعة المقبلة سيكون موعد مصر مع البيان الثاني للثورة المصرية ، بعد بيان إسقاط مبارك ونظامه ، إعلان الإصرار على تحقيق الهدف الأول والجوهري والأسمى لثورة الشعب المصري ، وهو بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ، وإعادة السلطة والسيادة للشعب ، في برلمان حر منتخب انتخابا شفافا وحكومة شرعية تملك تفويضا شعبيا يخولها تحقيق الأمن والأمان والتطهير وصياغة دستور دولة القانون والعدالة والكرامة الإنسانية ، وإنهاء الفرعونية لتصبح تاريخا من التاريخ ، وأنا على يقين من أن هذه الجمعة لن تنتهي دلالتها وتوابعها بنهاية اليوم ، لأنها ستتمخض عن حراك سياسي جديد تعيد فيه الأغلبية الصامتة تسجيل حضورها في الشارع والمشهد السياسي كله . [email protected]