يتحمل الدكتور محمد البرادعي والمهندس ممدوح حمزة المسؤولية الكاملة عن الأحداث التي جرت مساء أمس ، وهذا لا يمثل تبرئة للشباب الذين شاركوا في هذه المهزلة ، والذين ذهبوا من التحرير للتحرش بالقيادة العسكرية في أكثر مراكزها حساسية ، بل المسؤولية تشمل الجميع ، وإن كان هذا الشباب في النهاية هم وقود معركة بحسابات شخصية بحتة ، ولا صلة لها بدم الشهداء ولا بالعدالة الاجتماعية ولا تطهير القضاء ، فكل هذه مجرد ستائر أو قنابل دخان ، للهدف الأساس والمباشر للتحركات التي تمت خلال اليومين الماضيين ، وهو محاولة جر المؤسسة العسكرية للصدام مع قطاع من الشباب وإراقة الدم من أجل أن نتمسح في هذا الدم من جديد ، لكي نجر الشعب أو قطاعا كبيرا منه للصدام مع الجيش ، والمحصلة النهائية قطع الطريق على المسار الديمقراطي . أحداث اليومين الماضيين أتت في أعقاب سلسلة قرارات للمجلس العسكري بتحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية ودعوة اللجنة العليا للانعقاد والتأكيد على أن المسار الديمقراطي سيتم حسب ما هو مقرر بإرادة الشعب المصري في الاستفتاء الدستوري ، بعض الجهات اعتبرت هذا القرار المنطقي جدا صفعة سياسية مؤلمة ، وتجاهل لمجمل ضغوطهم عبر ميدان التحرير وفضائيات "غسيل الأموال" طوال أسابيع من أجل إعادة النظر في الانتخابات والأمل في تأجيلها أو إلغائها ، كما فشلت طموحات منح بعض الشخصيات حيثية سياسية أكبر من حجمها في الحكومة الجديدة ، ومن ثم كان القرار المفاجئ بالتحرك ، ليس للتظاهر أمام مجلس الوزراء ، ولا أمام ماسبيرو ، بل التحرك إلى مقرات القيادة العسكرية من أجل حصارها وتعريضها لخطر الاقتحام الطائش أو الصدام الدموي في حالة دفاع الجنود والضباط عن مراكزهم ومقراتهم . بعض المتحذلقين من الكتاب والسياسيين الذين احتلوا شاشات الفضائيات واعتصموا فيها بالتوازي مع احتلال البعض ميدان التحرير والذين شعروا بالعار مما حدث أمس ، وتحول المواجهة إلى مواجهة بين قطاع من الأهالي وبين الشباب الذين أتوا من التحرير ، قالوا بأن المسيرة كانت سلمية وأنها كانت تهدف لإيصال رسالة إلى المجلس العسكري ، وهو استخفاف بالعقول ، ومحاولة ساذجة لستر الفضيحة ، هل يذهب الآلاف من ميدان التحرير إلى شارع الخليفة المأمون بين العباسية وروكسي مدججين بالشتائم البذيئة والاتهامات الشائنة للقيادة العسكرية والهتافات شديدة العدائية والشحن العصبي للنفوس والأفكار لمحاصرة القيادة العسكرية ويقولون أنهم يريدون تسليمهم رسالة "بريئة" ، وإذا كانت هذه القوى الصغيرة عجزت عن أن تحمي سلمية المسيرة وسقطت في تحرش مع أهالي المنطقة حتى تحولت الشوارع إلى ساحة حرب ، فمن الذي كان سيحكم هؤلاء الآلاف ويمنع بعضهم من التحرش بالضباط والجنود واستفزازهم ويضطرهم إلى التعامل الرادع فتقع الاشتباكات الأكثر دموية مع الرصاص الحي ، وإذا كانت حركة 6 أبريل عجزت عن أن تمنع حفنة من أعضائها وغيرهم من جريمة غلق مجمع التحرير وادعت أن هذا العمل ليست مسؤولة عنه وأنه من فعل فئة مندسة أو غير منضبطة ، فما هي الضمانات التي كانت تحول بين "الفئة المندسة" من شباب 6 أبريل أو غير المنضبطة من أن يشعلوا الحريق ، المسألة واضحة وضوح الشمس ، البعض دفع بالشباب إلى محرقة في العباسية أراد منها إشعال حريق جديد في الوطن كله وإدخال الشعب في صدام مروع مع الجيش ، وهي لعبة قذرة ورخيصة ، ولو كان القانون والعدالة بعافية في هذا البلد الآن لتمت محاكمة كل من البرادعي وممدوح حمزة ، اللذين اختفيا طوال أمس وأول أمس ولم ينطق أحدهم بكلمة واحدة ، وسوف يخرجون غدا أو بعد غد من جديد لكي يشنفوا آذاننا باتهام المجلس العسكري بأنه لم يرض طموحات شباب التحرير وبطء الإجراءات وغير ذلك من قنابل الدخان لستر فضيحة المخطط الإجرامي الذي يتورط فيه الاثنان . كان الغضب من بيان المجلس العسكري أمس مفتعلا ومسرحيا ، فما قاله المجلس العسكري عن مؤامرة وتورط حركة 6 أبريل فيها قاله كثيرون قبل أسابيع ، وقلناه نحن هنا في المصريون وبالأسماء وأحيانا بالأرقام ، فما الجديد ، والحقيقة أن ما حدث أمس وأول أمس أتى ليؤكد صحة كلام المجلس العسكري فعلا ، وأنها مؤامرة واضحة لكل ذي عينين وتهدف للوقيعة بين الجيش والشعب ، والمسألة لها أسابيع وليست وليدة أمس ، وكنا نرى ونسمع في ميدان التحرير السب المقذع لقيادات عسكرية بالاسم وبالشتائم البذيئة والتحرش بالضباط والجنود أينما وجدوا عند مجلس الوزراء أو أي منطقة ودخلت شخصيا ومعي آخرون في نقاش مع هؤلاء بدون فائدة ، كان واضحا أنهم مدفوعون أو مدفوع لهم وغير مستعدين لأي نقاش ، فما الجديد الذي أتى به بيان الجيش وفاجأهم ، أعتقد أن المفاجأة ليست في الجوهر وإنما في أن الرسالة أتت هذه المرة من الجيش نفسه وبشكل صريح . ستفشل كل هذه المؤامرات الصغيرة أمام إصرار الشعب المصري على استكمال مسيرته نحو الحرية والديمقراطية والنهوض والإصلاح ، وستفشل كل هذه التحرشات لأن المؤسسة العسكرية تتعامل معها بمنتهى الحكمة وطول البال والرغبة الصادقة في حماية الثورة وحماية دماء المصريين من أن تراق في أي صراع سياسي داخلي ، وعلى الذين تورطوا أمس في الذهاب إلى العباسية لجر الشكل مع الجيش أن يشعروا بالعار ، عندما يطالبون الجيش بأن يقاتل أهالي المنطقة نيابة عنهم بعد أن شعروا بالورطة ، وعليهم أيضا أن يشعروا بالعار عندما طالبوا الجيش الذي سبوا قادته علنا بأن يؤمن لهم طريق عودتهم إلى ميدان التحرير ويحميهم ، وقد لبى المجلس العسكري طلبهم ، وأمن لهم طريق العودة ، رغم بذاءتهم ، لأنه مجلس محترم ويتصرف بمنطق الإحساس بالمسؤولية تجاه الشعب ، وليس مثل المتآمرين الذين يختفون في "كهوفهم" ويدفعون الشباب للمحرقة غير آسفين على هذه الدماء البريئة التي تسيل من أبناء المصريين في هذا الطرف أو ذاك ، طالما أنها توسع لهم الطريق حسن ظنهم أمام طموحاتهم الشخصية . [email protected]