لا يصح النفخ المبالغ فيه في الحديث الذي صدر عن الدكتور عاصم عبد الماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية أمس في تظاهرة الجماعة أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس ، وخاصة اتهامه لعناصر في ميدان التحرير بأنها تسيء للثورة وأنه ينبغي أن يتطهر الميدان من هذه العناصر ، ومطالبته بإنهاء الاعتصام لما يسببه من فوضى وتعطيل لمصالح الناس ، الكلمة أتت في سياق حماسي وانفعالي ، ولكن معرفتي بما تفكر فيه الجماعة الإسلامية ربما يسمح لي بنفي أي دلالة سلبية للكلمة تجاه أبناء الثورة ، سواء في ميدان التحرير أو غيره . فبدون شك الكلمة تمثل رد فعل على أحداث وقعت في ميدان التحرير أساءت إلى الثورة ، بعد الإعلان عن الاعتصام غير المتفق عليه في الميدان بعد جمعة 8 يوليو التي شاركت فيها كل القوى السياسية ، وخاصة إغلاق مجمع التحرير بشكل فيه استهتار بالغ بمشاعر المواطنين وبشركاء الثورة أيضا من التيار الإسلامي ، ثم التهديد بقطع الكباري وإغلاق محطات مترو الأنفاق واقتحام قناة السويس وغير ذلك ، وهو ما استفز قطاعا كبيرا من الشعب المصري وأشعرهم بخطورة هذا التطرف والهوس ، غير أن كثيرين من المعتصمين في الميدان ، وبقية القوى السياسية استنكرت هذه الواقعة بعد ذلك ، وأدانتها وتبرأت منها ، وأكدت على أنها من فعل مجموعات صغيرة متطرفة لا تمثل من في الميدان . وأما مسألة تطهير الميدان من المتطرفين والمهاويس والمدسوسين ، فأعتقد أن كثيرين من غير الجماعة الإسلامية قالوا ذلك ، بمن فيهم بعض أكثر المدافعين حرارة وعاطفية عن المعتصمين في الميدان وعما يحدث فيه ، لكنهم اضطروا في النهاية إلى الاعتراف بأن الميدان مخترق ، وأنه ينبغي تطهيره من المدسوسين الذين يسيئون إليه ويشوهون الثورة ، وهو تطور جيد يعيد الاعتبار إلى روح الاعتدال والعقلانية للثورة وأبنائها ، غير أن الخطوة الأهم والتي يمكن أن تكشف هؤلاء المتطرفين وتعزلهم نهائيا ، هي إعادة فتح ميدان التحرير وإنهاء ذلك المظهر السيء الذي يتسبب فيه إغلاقه من جميع منافذه بدون أي معنى ، وأنا لا يمكنني أن أطالب بإنهاء الاعتصام أو فضه بالقوة ، بل ولا أتمنى ذلك ، ولكن الاعتصام مسألة رمزية ، فلا داعي لتحويلها إلى عمل عدواني ضد جمهور الناس أصحاب المصالح ، عن طريق غلق الميدان كله من قبل مجموعات صغيرة لا تتجاوز عدة مئات ، هم أقل من عدد من يمرون في الميدان خلال ساعة واحدة في الأوقات العادية ، لا بأس بأن يبقى الاعتصام في الميدان لمن أحب ، على أن يكون رمزيا ، في ركن أو الجزيرة الوسطى أو بعض أطرافه ، لتبقى رسالة أصحابه حية أمام الجميع ، حتى ولو اختلفنا معها ، بدون أن يفرض المعتصمون وصايتهم على كل القوى الثورية والسياسية بتعمد إغلاق الميدان طوال هذه الفترة بدون أي معنى أو مبرر أخلاقي أو وطني سوى استعراض العضلات السياسية في غير مكانها ولا أوانها . الجمعة المقبلة ستشهد مليونية ضخمة ، تعيد الحيوية للثورة وتصوب بعض مساراتها ، صحيح أن تلك المليونية يتبنى الدعوة إليها الإسلاميون بمختلف قطاعاتهم ، ولكن الأمل أن تكون مليونية يشارك فيها الجميع ، أبناء الثورة بكل أطيافهم يشاركون ، وأن تكون جمعة الوحدة والشرعية معا ، لا مكان للتطرف فيها ، لأن التطرف والهوس هو الذي تسبب في تآكل جسد الثورة بشكل تدريجي وضعف وهجها في الضمائر وابتعاد قطاع غير قليل من الناس عنها وهو ما تجلى في مظاهرة أمس ، مطلوب إنقاذ الثورة ، بإعادة الرشد والعقلانية والتسامي إليها ، والتأكيد على مطالب الثورة الأساسية ، جدية محاكمة رموز الفساد ، ومحاكمة قتلة الشهداء ، وأيضا التأكيد على مطلب الالتزام بالمسار الديمقراطي وضماناته الكاملة وفق الجدول الذي تمخض عن استفتاء 19 مارس ، أتمنى أن تكون جمعة الوحدة ، جمعة التآلف ، ومفتتح حوار جاد بين الجميع لدعم مسار الثورة الحقيقي ، الباحث عن الديمقراطية والاستقرار ودعم اقتصاد الوطن ومطاردة الفساد وهيكلة المؤسسة الأمنية والإسراع بالقوانين التي تحقق الاستقلال الكامل للقضاء وأيضا للمؤسسة الدينية والتأكيد على تحقيق العدالة الاجتماعية وحد أدنى للأجور ، لا ينبغي أن يفهم من تلك المليونية أنها إقصائية لأي طرف ، أو أنها رد على أي طرف ، لا ينبغي أن تحركنا ردود الأفعال ، ولكن أن تكون استعادة لروح الثورة الأولى ، روح التوحد والانصهار من أجل وطن تسوده العدالة والحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية . [email protected]