كشف د. محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، أنّ هنالك مجموعة قيادية جديدة في تيار السلفية الجهادية في الأردن، تعلن القبول بمبدأ "سلمية الدعوة" ورفض العمل المسلّح في الأردن، ومراجعة جملة من أفكار التيار، دون التراجع عن البنية الأيديولوجية الصلبة التي تأسّس عليها. وخلص أبو رمان في إعلانه عن دراسته الجديدة بعنوان "السلفيون الجهاديون في الأردن ومقاربة الثورات الديمقراطية العربية" (الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية) إلى أنّ هذا الخط القيادي الجديد هو الذي دفع باتجاه قيام التيار بمسيرات واعتصامات في مدن عدة تطالب بالإفراج عن معتقلي التيار، وبتحكيم الشريعة الإسلامية، قبل أن يتم الصدام مع قوى الأمن في أحداث الزرقاء يوم الجمعة 15 أبريل الماضي. وكشف الباحث عن عرض شيخ التيار أبو محمد المقدسي لميثاق يتضمّن رفض العمل المسلح والإيمان بالعمل السلمي، ومواجهة التطرُّف في التكفير ليكون بمثابة "وثيقة" مهمة في تحويل مسار هذا التيار في المرحلة القادمة. إلاّ أنّ هذا مشروط بقبول "المؤسسات الرسمية" بالسماح لهذا التحول بالاكتمال. وبالرغم أنّ أبو رمان لا يتوقع أن يصل المقدسي والمجموعة القيادية المؤيدة له في الأفكار الجديدة إلى ما وصلت إليه "مراجعات الجماعة الإسلامية" في مصر من تحولات بنيوية في خطابها الأيديولوجي، فضلاً عن التحول على نحو جماعة الإخوان التي أعلنت قبولها بالديمقراطية، إلاّ أنّ القبول بمبدأ "سلمية الدعوة"، وفقًا للباحث، من شأنه أن يحدّ من العمل المسلّح، ويسمح بمسار جديد من التحولات لدى هذا التيار، ما قد يجعل منه لاحقًا تيارًا يمينيًا محافظاً، لكنه سلمي، وهذا تطور مهم وحيوي. وفي رصد الباحث للأسباب التي أدّت لقيام السلفيين بتلك المسيرات والاعتصامات، وبروز ملامح التحول نحو العمل السلمي، يعود إلى مقاربة زعماء بارزين من القيادة في العالم للثورات الديمقراطية العربية، ويقف على نصوصٍ للزعيم الحالي أيمن الظواهري، مفتِي القاعدة أبو يحي الليبي، ومنظّر القاعدة في اليمن أيمن العولقي، وجميعهم حاولوا القيام بعملية "تكيف أيديولوجي" مع الثورات، بما يضع القاعدة معها، وليس على الطرف النقيض لها. وخلص أبو رمان إلى أنّ "التحايل الأيديولوجي" الذي قاموا به، لا يمسّ البُنية الصلبة في أيديولوجيتهم: تحكيم الشريعة الإسلامية فريضة واجبة، التأكيد على العداء مع الولاياتالمتحدة والغرب واتهامهم بمعاداة إقامة الدولة الإسلامية المطلوبة، رفض وتكفير أي نظام غير النظام الإسلامي الصلب، التأكيد على أهمية الجهاد في مواجهة القوى الدولية. "التحايل الأيديولوجي" حدث تحديدًا في التعامل مع ما طرحته الثورات الديمقراطية العربية من خيار "التغيير السلمي"، ما يخالف تمامًا ما افترضته أيديولوجيا القاعدة من أنّ التغيير لا يقع إلاّ بالعمل المسلّح، وهو ما تجاوز قادة القاعدة الحديث عنه، قصدًا، ولم يوحوا بأيّ درجة من درجات المراجعة لخيار العمل المسلّح، وما نجم عنه من نتائج فكرية وفقهية وصلت إليها أدبيات القاعدة لاحقًا، وما أدّى إليه من عمليات مسلحة في كثير من الدول.