هذه دائما طريقة التخطيط الكروي في مصر. كل أمورنا سبهللة، تدار بلا فكر أو استراتيجية محددة، الهرجلة تحكم حياتنا. فوز واحد يرفع مدربا للسماء، وهزيمة واحدة تطيح بسنوات من التعب والاجتهاد وتعود بنا لنقطة الصفر! قلت بمنتهى الوضوح بعد فوز منتخبنا بكأس الأمم الأفريقية، إن مرحلة حسن شحاتة قد انتهت، ويجب أن نبحث عن خبير يملك المؤهلات المناسبة لبناء فريق قوي ينافس في بطولة غانا 2008 وبطولة كأس العالم 2010! لكن الأخوة في الجبلاية اختصروا كل طموحات وآمال المصريين، في تصفية الخلاف بين أحمد شوبير وحسن شحاتة، فإذا ما انعدل مزاج الامبراطور شوبير وتصالح مع شحاتة، فان التجديد للأخير ولجهازه الفني سيكون هو قرار الاتحاد الحتمي! كأن كل المصريين ما هم إلا رعايا لمزاج هذين الاثنين، فإذا رضي شوبير، فأهلا بشحاتة الذي كان قبل بدء البطولة محاربا من الجميع في مجلس ادارة الاتحاد، بل ظل شوبير ومجدي عبد الغني يحاربانه بعنف ويريدان الاطاحة به حتى أثناء مباريات البطولة، أما سمير زاهر فلم يجد بدا من التخلي عن مساندته لهما عندما وجد أن كل المصريين نسوا خلافاتهم وألوان فانلات الأندية التي يشجعونها ووقفوا جميعا وراء جهاز شحاتة بعد أن أدركوا أنه محاصر من جميع الاتجاهات، وأن الاتحاد الذي من المفروض أنه الأب الشرعي للمنتخب يتمنى له الهزيمة والخروج صفر اليدين من البطولة، ويظل يحلم بذلك في اليقظة والمنام لدرجة أن مجدي عبد الغني اعلن في مجلس الشعب براءة مجلس ادارة الاتحاد من دم المنتخب الذي سيسيل فوق استاد القاهرة بعد أن يصبح لقمة سائغة للأفيال والأسود والصقور الجارحة من المنتخبات الأفريقية! لا نريد أن نقلب المواجع الآن، فالأمور مشت آخر حلاوة مع شحاتة، ومنتخبنا فاز في جميع مبارياته ما عدا مباراة المغرب التي تعادل فيها، ولم يكن السبب الحقيقي توجيهات شحاتة الفنية، أو التدريب الراقي للاعبين، أو الجمل التكتيكية التي فشل المنافسون في حل لوغاريتماتها. ولكن بصراحة شديدة وبدون مبالغة، فزنا بصيحات جماهير تحرك الصخور وتزلزل الأبراج السكنية، وبتوفيق غير عادي جعلنا نفوز على ساحل العاج في مباراتنا الأخيرة من الدور الأول، فنصبح على رأس مجموعتنا وبالتالي نبتعد عن منتخبات نيجيريا وتونس والكاميرون، ونقابل منتخبين، احدهما الكونغو الذي لم يكن مرشحا على الاطلاق والثاني السنغال الذي صعد لدور الثمانية بضربة حظ بعد أن حزم حقائبه للرحيل الى داكار! أنا لا أقلل من الفوز بالبطولة، لكنني لا أريد ان نبالغ ويركبنا الغرور ونظن أننا كنا أصحاب فكر وتخطيط وأن السادة ببغاوات الجبلاية قدموا لنا ما لم نكن نحلم به! لا أريد أن نغمط حق الجماهير التي كانت تجلس في مقاعدها بالخمس والست ساعات دون ان تتوقف حناجرها عن التشجيع الذي هز جميع المنتخبات المنافسة، فدروجبا أفضل لاعب في القارة الأفريقية بأثرها قال انه ظل أكثر من ربع ساعة قبل نزول منتخب الأفيال لأرض الملعب في المباراة الأخيرة يحاول أن يرفع من معنوياتهم التي اهتزت بشدة عندما رأوا هذه الجماهير الرهيبة! سأجد من يقول وهل لو كان المنتخب غير مؤهل للفوز كنا سنفوز بالبطولة بصيحات الجماهير فقط؟! الاجابة بالنفي طبعا، فالمنتخب يضم لاعبين على أعلى مستوى فني ومعظمهم من لاعبي الاهلي أفضل ناد في أفريقيا والحاصل على بطولة الاندية الأفريقية، وبه أيضا المحترفون الثلاثة في الخارج أحمد حسن وعبد الظاهر السقا وميدو الذي لم يلعب المباراة الأخيرة! لكننا نتكلم عن الأداء الخططي في الملعب وعن الفكر التدريبي الذي قدمه لهم جهاز حسن شحاتة. لم نشعر بالمتعة من أداء منتخبنا في أي وقت، وهذه النقطة من الممكن أن نتجاهلها لأن الفوز هو المطلوب أولا والحصول على البطولات يسجله التاريخ دون أن يذكر هل كان هذا المنتخب الفائز ممتعا أم مملا في أدائه! لكن ما لا نستطيع تجاهله أن شحاتة لم يقدم للمنتخب فكرا تدريبيا جديدا، وأنه فاز فقط بمساندة الحظ والجمهور وبلاعبين موهوبين بالفطرة وبمهارة عصام الحضري الذي لو فشل في التصدي لتسديدتين من الضربات الترجيحية لطارت البطولة ولصبت الملايين لعنتها على المدرب! لكننا أمة تفتقد الى الاتزان والتفكير، حولنا شحاتة إلى أفضل مدرب في أفريقيا، وأنه الذي سيأتينا بالبطولة الأفريقية القادمة وسيدخل بنا كأس العالم في جنوب أفريقيا وسيصل إلى أدوار متقدمة! أي استهبال هذا الذي يجري، وأي قلة عقل في هؤلاء الذين يحكمون الجبلاية والذين حلوا كل مشكلاتنا بصلح بين شحاتة وشوبير الذي لم يقدم أية مؤازرة للمنتخب خلال البطولة وانشغل ببرنامجه في التليفزيون المصري وفي قناة دريم! قمة الضحك على الذقون هذا الذي يجري، لدرجة أن جهابذة مجلس ادارة الاتحاد يريدون أيضا تسليم المنتخب الاولمبي لشحاتة، فهو هدية السماء لانقاذ الكرة المصرية ووضعها في مصاف القوى المتقدمة كرويا! المخزي والمحزن أنهم يريدون اقتسام المنتخبات بين الأهلاوية والزملكاوية، فالأخ مجدي عبد الغني مثلا يريد مدربا أهلاويا لتدريب المنتخب الأولمبي وتلك نقطة الخلاف الكبيرة حاليا في الجبلاية! إنهم يقتسمون شعبا بأكمله ويتاجرون بطموحاته وآماله. لقد كان الشيخ صالح كامل محقا في أن يرفض تسليم مجلس ادارة اتحاد الجبلاية المليون جنيه التي خصصها مكافأة للمنتخب، وقال إنه سيمنحها بنفسه للاعبين! له كل الحق في ذلك فمن يثق في أناس هذا شأنهم. انني اتحدى ان يغضب أي منهم من قرار صالح كامل، فالعقاب سيكون منعهم من سبوبة التحليلات والتعليق على مباريات كأس العالم في استديوهات الايه ار تي، وأولهم الحاكم بأمره شوبير باشا! [email protected]