و أكل أحدنا 10 برتقالات فإن المنفعة المتحققة من الأولى هى الأعلى ثم تقل المنفعة تباعا حتى يصل الإنسان إلى أن المزيد من البرتقال يجلب للإنسان الضرر. هذا ما يسميه الاقتصاديون قانون تناقص المنفعة. الغموض له منفعة متناقصة أيضا. وعدم الإجابة عن الأسئلة بوضوح وشفافية وطريقة مقنعة بعد فترة من الزمن يؤدى إلى نفاد الصبر ويخلق مناخا تزدهر فيه الشائعات ونظرية المؤامرات وصولا إلى المظاهرات والاعتصامات. هناك أسئلة لا بد من الإجابة عليها، وإلا سيكون الغموض سببا فى اشتعال الموقف مرة أخرى. ومن الأسئلة الشائعة بشأن الحكومة والتى يريد لها المواطنون إجابة، ما يلى: أولا: ماذا يفعل مبارك فى مستشفى شرم الشيخ؟ وهل سيحاكم قريبا؟ ثانيا: لماذا لم يتم التخلص من المسئولين الذين لا يقومون بواجبهم رغما عن وضوح الرؤية بشأن أن بعضهم لا يريد أن يصنع الخير أو أن يمنع الشر؟ هم ببساطة لا يتخذون أى قرارات. ثالثا: هل سيتم تحويل القضاة والمستشارين الذين شاركوا من قبل فى تزوير الانتخابات أو تدمير قيم النزاهة فى القضاء المصرى إلى لجان الصلاحية؟ أم هذه اللجان كانت تنعقد فقط ضد الشرفاء من القضاة؟ رابعا: هل كان لابد أن يعتصم شباب الثورة حتى تتحرك الحكومة والمجلس العسكرى لتحقيق ما بدا وكأنه مطالب منطقية كان ينبغى أن تتخذ من فترة؟ ما هى الرسالة التى ترسلها الإدارة الحكومية لمواطنى مصر: اعتصموا تصحوا؟ هناك أسئلة أخرى يحار بشأنها العقل عن الثوار وقيادتهم: أولا: كيف يستقيم أن يعلن البعض انتقاداتهم الحادة للمجلس العسكرى بسبب طريقة إدارته للبلاد ويطالبونه بأن يستمر فى السلطة لفترة انتقالية أطول فى نفس الوقت؟ هل ينتقدونه لأنهم ليسوا فى السلطة، ويريدونه أن يبقى فترة أطول، لأن هذا سيزيد من فرصهم فى الوصول إلى السلطة؟ وأين مصلحة الوطن فى هذه الحسبة؟ ثانيا: كيف يستقيم أن ينتقد البعض اختيارات المجلس العسكرى لتشكيل لجنة التعديلات الدستورية، ويطلبون منه أن يتدخل فى تشكيل لجنة المائة التى ستقوم بصياغة الدستور الجديد؟ ما الذى يضمن ألا تكون اختيارات اللجنة الجديدة مثل اختيارات اللجنة القديمة؟ ثالثا: كيف يستقيم أن الثائرين حين قرروا أن يختاروا أشخاصا لإدارة شئون مصر فى مرحلة ما بعد الثورة لجأوا لأشخاص لم يكونوا أصلا من القيادات الثائرة فى السنوات السابقة على الثورة؟ مفارقة تستحق التأمل أن الأسماء الثلاثة الأولى على قائمة تفضيلات من يشغل منصب رئيس الوزراء لم تشمل أيا من قيادات كفاية أو الجمعية الوطنية للتغيير أو الأحزاب المعارضة. لماذا؟ هل المعارضة لا تعرف إلا أن تعارض؟ أم أن القيادات غير مقنعة لمن يفترض أنها تقودهم؟ رابعا: كيف يطلب الناس من الثورة أن تغير حياتهم، وهم يبذلون الغالى والنفيس كى لا يتغيروا؟ كيف يجلس أحدنا على أريكته ويتهم الثائرين بأنهم ناس لهم أجندات خاصة، وهم من غامروا بحياتهم من أجل أن تسترد مصر حريتها؟ خامسا: كيف يتوقع البعض أن يتم تصحيح أخطاء وخطايا أربعة عقود من الزمن فى أربعة أشهر؟ كيف يمكن التخلص من 1200 منطقة عشوائية فى شهور قليلة؟ كيف يمكن التخلص من عشوائيات الفكر وتشوهات الشخصية المصرية بهذه السرعة؟ وكيف نطلب من حكومة غير منتخبة ستبقى لعدة أشهر أن تتخذ قرارات تخصيص موارد مهولة تلزم الحكومات القادمة لسنوات طويلة فى مشروعات عملاقة؟ هذه أسئلة، لا ينفع معها الغموض. الشروق: