"كانوا يجيرون الضعيف إذا ما احتمى بهم، وينصفون المظلوم إذا لجأ إليهم، ويقفون في وجه الطغاة إذا ما فرضوا سلطانهم الظالم على الفقراء والضعفاء، ما جعل لهم مكانة في المجتمع خاصة في عصر كثرت فيه المظالم، حتى أن التاريخ يذكر أنهم واجهوا المماليك في آخر العصر المملوكي عندما فرضت الضرائب على الشعب وكان يطلق عليها "الإتاوات" أو "الفردات"، إنهم"الفتوات". قد كانت «الفتونة» أدبًا وأخلاقًا وليست هز أكتاف خاوية أو قلة أدب أو ممارسات ظالمة على الضعفاء والاستيلاء على أموال الناس بغير حق، والفتوات رجال عرفتهم مصر منذ زمن بعيد بأسمائهم الرنانة حاملين نبابيت قدت من شجر الليمون صفرتها تشي بالموت، كيف لا وقد تركت في زيت شديد الحرارة كي تفقد على مهل ليونة الحياة التي تفارقها إلى الأبد لتدمن هذه العادة وتسعى بين خلق الله أو فوق رءوسهم. كان الفتوات هم البوليس الشعبي الذي يحمى القاهرة بعلم من البوليس الرسمي، ونستطيع أن ندرك قيمة الفتوة ومنزلته عند الناس في ذلك الوقت خاصة أنه كان لكل حارة فتوتها الخاص بها الذي يدافع عن حقوق أهلها ويجمع المال من أغنيائها ليعطى فقراءها وكل ذلك بمساعدة سلاحه الوفي (النبوت) الذي كان يحمل كرامته والذي إذا سقط سقطت معه كرامة الفتوة نفسه، كانت القاهرة قديمًا مقسمة إلى ثمانية أقسام فأطلق أهل البلد على قسم الشرطة (التمن) وكانت مقسمة إلى مناطق نفوذ، لكل منطقة أو حي فتوة يحميه بمعاونة بعض أعوانه ويطلق عليهم (مشاديد) أى الذى يتشدد له. وكان قديمًا عندما تحدث مشاجرة بين شخصين يقول أحدهما للآخر (اضربك أنت واللى يتشدد لك). وحياة الفتوة نموذج للقوة الخيرة الساعية لتحقيق الحق والخير والعدل بين العامة أو البسطاء كما يقوم الفتوة بمعاقبة المنحرفين والخارجين على قانون الحارة الذي يضعه، ولذا عادة ما يواجه بالعدوان من عناصر الشر المختلفة. وكان معظم مقاهي القاهرة يمتلكها فتوات وكانوا يتميزون بصفات أولاد البلد العريقة في إغاثة الملهوفين ونصرة الضعفاء. نظام الفتوة إذا ما ارتكب الرفيق جريمة القتل فإن رفيقه يتبرأ منه أمام جميع الفتوات وبذلك يخرج عن دائرة الفتوة. إن كل فتى يحوى قاتلاً ويخفيه ويساعده على أمره ويؤويه يتبرأ رئيسه منه. إن الفتى متى قتل من حزبه سقطت فتوته ووجب أن يؤخذ منه القصاص فإن كان القتيل ليس من الفتيان بل عونًا من الأعوان أو متعلقًا بديوان في بلد فإن القاتل تسقط فتوته ويؤخذ القصاص منه. وبذلك أصبحت الفتوة حركة منظمة ذات قواعد قانونية وأسس أخلاقية. فتوات المحروسة كان الفتوات رمزًا للسطوة والهيمنة في الأحياء والمدن على امتداد خارطة المحروسة وبالأسماء والوقائع تقرأ سيرة مجهولة لعدد من فتوات مصر ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (محمود الحكيم) فتوة الكحكيين بالقاهرة القديمة وكان معه شقيقه (عبده الحكيم وخليل بطيخة فتوة السيدة زينب و(عفيفى القرد) فتوة حي بولاق أبو العلا وصاحبه المعلم أحمد الخشاب والمعلم حسن كسلة فتوة الدراسة إضافة إلى المعلمة (عزيزة الفحلة) وابنها محمد في حي المغربلين، وإبراهيم كروم فتوة بولاق والسبتية الذي لم تفارقه (الشومة) التي اشتهر بها وكانت وسيلته فى فض المعارك وأداته فى التحطيب، وقد انضم إبراهيم كروم للإخوان المسلمين وقبض عليه عام 1954 ضمن الحملة التي طالت الإخوان بعد حادث محاولة اغتيال عبد الناصر فى المنشية. نساء فى دنيا الفتونة ولم تخل دنيا الفتونة من سيدات تربعن على عرشها لسنوات طويلة، وكان لهن باع طويل وأساليب مختلفة تختلف عن أساليب الفتوات فى عالم (المجدعة). ومن غرائب عالم الفتونة أن هناك نساء قهرن الرجال بقوة عضلاتهن وشدة بأسهن، ومن هؤلاء الفتوات النساء (عزيزة الفحلة) فتواية حى المغربلين فى الإسكندرية و(سكسكة) فتواية الجيزة و(أم حسن) الشهيرة بأم جاموسة فتواية السيدة زينب والتى كانت تتاجر فى (الكرشة)، وغيرهن من نساء فتوات تغلبن على الرجال ولهن قصص عجيبة وروايات طريفة فى عالم الفتونة لكنها فى الوقت ذاته روايات لها معان تهز المشاعر. زمن البلطجة ومع نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات انتهى زمن الفتوة صاحب الرجولة والشهامة وتدرج هذا المنصب إلى أحط صفاته ليصل إلى " بلطجي"، حيث أصبح هذا اللفظ يطلق على كل صاحب دراع مفتول العضلات أيضًا ولكنه لا يغيث المظلوم بل يعمل لصالح الظالم.
ويظهر البلطجي في كل حارة ومنطقة، خاصة المناطق الشعبية والذي أصبح سلاحه المطواة والسلاح الناري مرورًا بكل أشكال الأسلحة التي يستخدمها لأغراضه وأعمال السرقة والنهب والقتل والاتجار بالمخدرات. بلطجية الصندوق ولو تتبعنا آخر أشكال البلطجة فى هذا العصر لوجدنا الانتخابات وهى خير شاهد, فبدءًا من تمزيق لافتات الخصوم وإفساد الاجتماعات الانتخابية ومصارعة بلطجية منافسين وصولاً إلى الاعتداء على الناخبين ومقرات اللجان الانتخابية وانتهاء بقيادة سيارة مسرعة وصدم أنصار المرشحين أو المرشحين أنفسهم. وقد حذرت دراسة صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية من ارتفاع معدلات البلطجة فى الانتخابات. ويروى بعض البلطجية أن مرشحي الانتخابات البرلمانية يتفقون معهم لحراستهم والمشاركة فى حملتهم الانتخابية من خلال تشويه الخصم والاشتباك مع أنصاره وتمزيق بوسترات الدعاية وحماية المرشح، ويؤكد البلطجي أنهم لا يقفون خلف مرشح حبًا فيه ولكن من أجل المصلحة "واللي يدفع أكتر نحميه أكتر". ولكن من ضمن ما يثار أن هناك بعض البلطجية يعملون تحت غطاء الأجهزة الأمنية وتستخدمهم هذه الأجهزة في أشياء معينة وتصفية خصوم سياسيين أو غيره، بخلاف الفتوة الذي كان يطلق عليه" البوليس الشعبي" والذي كان يعمل بمعرفة البوليس ولكن في الخير ورفع الظلم بين الناس وإنصاف المظلوم. سينما وبلطجة وإذا كانت السينما قد استقطبت بعض هؤلاء الفتوات للمشاركة فى أعمال فنية خاصة فى أدوار نزيلات السجون اللاتى يظهرن مسترجلات وتتسم طباعهن وسلوكياتهن بالفظاظة والعدوانية، فإن عددًا من فتوات السينما كن يمارسن هذه المهمة بنجاح على الأقل حين تدور عدسات الكاميرا ليقدمن فاصلاً من الضرب والردح والتهديد. ولعل أشهر كومبارس لعبت دور الفتوة البلطجية فى السينما المصرية هى "فايزة عبد الجواد" صاحبة مقهى بعرة فى شارع عماد الدين وسط القاهرة، والتى بدأت رحلتها فى السينما فى فيلم (تمر حنة)، ومن أشهر من قدمت دور المعلمة الفتوة هى الراحلة تحية كاريوكا التى يذكر على سبيل المثال لا الحصر دورها فى أفلام المعلمة شفاعات فى فيلم شباب امرأة وسمارة فى فيلم سمارة.