جاء مقال جريدة النيويورك تايمز الأمريكية عن تقييم الأوضاع في مصر كاشفا عن عمق الأزمة التي تحياها الدولة المصرية منذ 3 يوليو 2013، وهي ليست أزمة من النوع البسيط الذي يمكن التعامل مع تداعياته بنوع من المداراة والتحيل والدعاية الفجة، إنما هي أزمة من ذلك النوع المركب الذي لا يفوق الشعب منه إلا على وقع كارثة تهدد الكيان الوطني لا تقل عن كارثة الهزيمة المروعة التي حدثت في 5 يونيه 1967. فالشعوب التي تسلم زمام عقلها لأدوات الإعلام الموجه محكوم عليها بإعادة التجارب الفاشلة، والشعوب التي تشكل وعيها أدوات تشتغل لمن يدفع أكثر أو لمن يرهبها أكثر محكوم عليها بعدم الخروج من أوهامها. ولمن لا يعرف أو لمن يريد أن يعرف أكثر فجريدة النيويورك تايمز هي: أولا: واحدة من أهم خزانات التفكير في الولاياتالمتحدة. وهي ثانيا: واحدة من أهم مؤثرات وموجهات صناعة القرار السياسي الأمريكي فيما يتعلق بالخارج. وهي ثالثا: الجريدة التي يخطب ودها كل من له علاقة بالسياسة الخارجية الأمريكية، بداية من الرئيس أوباما، إلى وزير خارجيته جون كيري، إلى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أو الكونغرس حتى أصغر طالب وأستاذ في أي جامعة أمريكية يهتم بعلاقة أمريكا ببقية العالم كما يقول الدكتور مأمون فندي في مقاله: مصر وال "نيويورك تايمز" والذي عرض فيه لخطورة ما كتبته الجريدة باعتباره ليس مقالا عاديا بل إشارة لصورة خطيرة تتشكل، لا أعتقد أننا قادرون على دفع فاتورة ثمنها. كما يؤكد فندي. مقال النيويورك تايمز كان كاشفا عن عمق الأزمة التي تحياها الدولة المصرية منذ 3 يوليو 2013، وهي أزمة تتجاوز قضايا شرعية نظام السيسي والطريق الذي جاء عبره، والأسلوب الذي مكن به لنظامه، وإمكانات تقديم حلول لأهم أزمات مصر الاقتصادية بدعم من الحلفاء الإقليميين والذين مولوا عملية الإزاحة بالقوة الجبرية لأول رئيس مصري منتخب، ليخوض بالوكالة معاركهم الإقليمية. أتصور أن الأمر يتعلق بمستقبل نظام السيسي ذاته، والصورة الذهنية التي تبنى لهذا النظام في الخارج خاصة مع مراكز التأثير والقوة في العالم والتي وإن كانت تحافظ في المقام الأول على مصالحها الاستراتيجية إلا أنها تحافظ أيضا على حد أدنى من نقاء الصورة الذهنية لسياستها الخارجية، ودورها في حماية الديمقراطية باعتبارها دولا لا: تساند دولا دكتاتورية. أو أنها تدعم دولا يأتي رؤساؤها للحكم بالانقلابات العسكرية. أو دولا تزور فيها الانتخابات وتقهر فيها إرادة الناخبين. خطورة مقال النيويورك تايمز أنه مقدمة لصورة ذهنية ترتسم للدولة المصرية باعتبارها دولة فاقدة للشرعية جاء حاكمها على ظهر الدبابة أولا ثم زور الانتخابات الرئاسية ثانيا، ثم يحكمها بالحديد والنار والقبضة الأمنية ثالثا. لقد أكد مقال النيويورك تايمز على ثلاثة قضايا أساسية: أولها: أن الوضع في مصر فيما يخص الحريات وحقوق الإنسان عادت أسوأ مما كان في عهد مبارك. وثانيها: أن السيسي جاء إلى الرئاسة من خلال "انقلاب" عسكري. والثالثة: هي أن تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية لم يكن أمراً عادلا. وعليه كما تؤكد الجريدة تكون مصر بعيدة عن فكرة المسار الديمقراطي، وأنه تجب ممارسة ضغوط على الكونجرس لربط المعونة العسكرية لمصر بتحقيق الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، أو بلغة أخرى تنادي الجريدة بربط المعونة الأمريكية لمصر بتصحيح المسار الديمقراطي في مصر. هذه هي خلاصة المقال، وهو ليس مقالا عاديا كتبه أحد الصحفيين ومررته الجريدة، بل هو توجه السياسة التحريرية للجريدة فلم يكتب باسم أحد الصحفيين فيها. وعليه فإن كل البروباجندا التي قام عليها نظام السيسي لم تؤت أكلها فيما يخص صورة مصر الذهنية في الخارج وتقييم هذا الخارج لما حدث في 3 يوليو بل إنها جاءت بثمار عكسية: ربما كشفت عن عمق المأساة. وربما كانت منصة إطلاق لسلسة من الإجراءات تتبعها سياسات محددة. وربما كانت خلاصة تقييم استراتيجي وتقدير موقف بعد مرور أكثر من سنة على يوليو الثانية. ولعل ذلك يجعل من مسار المصالحة الوطنية بديلا لا مفر منه لكل الأطراف، بصرف النظر عن حظوظ المكسب والخسارة فيما مر بمصر من أحداث، إذا القادم لكل الأطراف ربما يكون أسوأ، فلقد تجاوز الأمر موازين المكسب والخسارة لطرف سياسي مقابل ما هي مقدمة عليه الدولة المصرية باعتبارها أصبحت هدفا صوبت عليه سهامها أهم موجهات الرأي العام في الولاياتالمتحدة، وأهم خزانات التفكير فيها. وفي الصراعات الاجتماعية الممتدة لا يكون هناك طرف منتصر وطرف مهزوم، فإذا طالت الخسارة الكل، ربما عجزت كل الأطراف عن دفع فاتورة ثمنها.