الانتحار وسيلة "هروب من الحياة"، يلجأ لها غالبًا الفئات المولعة بالشهرة والنجومية أو بعض الأشخاص الذين يعانون حساسية مفرطة تجاه مشكلات الواقع، وأصبح الانتحار الوسيلة الأسرع للهروب، وقد أقدم عليه مؤخرًا الكثير من المشاهير. عالميًّا رصدت إحدى الإحصائيات أن حصيلة القرن السابق من انتحار الشعراء قد بلغ 150 شاعرًا على مستوى العالم، منهم 15 فى عالمنا العربي، ودراسات أخرى أكدت أن أعلى نسبة للانتحار كانت بين الملحدين، ثم البوذيين ثم المسيحيين ثم الهندوس وأخيرًا المسلمين الذين كانت نسبة الانتحار بينهم تقترب من الصفر. روبين ويليامز فقبل أسابيع انتحر الممثل الأمريكى الشهير روبن ويليامز، حيث استخدم سكين جيب ليقطع شرايين رسغه الأيسر، ووجد معلقًا بحزام ملفوف حول عنقه. وقال بعض المحللين إن ويليامز كان ضحية نجاحه الباهر، حيث ساهم فى تغذية الصراع النفسى الذى كان يعانى منه، وهو يحاول أن يرتقى لمستوى توقعاته العالى جدًا، حيث قضى الفترة الأخيرة وهو مكتئب جدًا، فعمله الأخيرThe Angriest Man in Brooklyn لم يلقَ نجاحًا يذكر، وتعرض لنقد قاسٍ، وتم طرحه بعدد محدود جدًا من دور العرض، ثم رفع منها بعد وقت قصير، وطبع ووزع على أقراص مدمجة. وكان ويليامز يعانى من إدمان الكحول والمخدرات فى الثمانينيات، وعادت المشكلة مجددًا فى 2006 عندما سعى للمساعدة فى حينها، فيما قال آخرون إنه كان مكتئبًا فحسب. داليدا داليدا أو يولاندا كريستينا جيجليوتى فنانة ومغنية إيطالية مصرية، ولدت 17 يناير 1933 فى شبرا لأبوين من المهاجرين، وتعود أصولهما إلى جزيرة كالابريا فى جنوبإيطاليا، بدأت حياتها بالمشاركة فى مسابقة ملكة جمال مصر وفوزها بها سنة 1954، وبدأت حياتها الفنية فى فرنسا وغنت بتسع لغات: العربية والإيطالية والعبرية والفرنسية واليونانية واليابانية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، كانت تشعر بالحرج من عينها المحولة التى أجرت لها ثلاث عمليات جراحية فيما بعد، رغم شهرتها وثروتها إلا أن حياتها الخاصة كانت أشبه بمسرحية مأساوية منذ بداية زواجها حتى نهايتها. تزوجت من أول رجل حبته بصدق "Lucien Morisse" وانفصلا عن بعض بعد زواج دام عدة أشهر فقط رغم أن حبهما كان حديث المجتمع فى ذاك الوقت، كان كل واحد منهما يصرح للآخرين بأنه متيم بالآخر ولا يمكنه أن يعيش بدونه لأنه حب حياته. توفيت سنة 1987 منتحرة بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة، بعد أن تركت رسالة تحمل "سامحونى الحياة لم تعد تحتمل"، ودفنت فى مقابر المشاهير "Cimetiere de Montmartre" بباريس. أروى صالح "نحن أبناء الزمن الذى فقد فيه حتى الحزن جلاله، صار مملاً هو الآخر، مثل البرد، أو مثل الصداع، والملل لا يصنع فنًّا، فقط أناسًا مملين"، هكذا كتبت متمردة الستينيات أروى صالح فى أشهر كتبها "المبتسرون". تخرجت أروى فى كلية الآداب جامعة القاهرة، وكانت من أعلام الاشتراكيين ذلك الجيل، وكتبت فى عدد من الصحف والمجلات الشهيرة، إلا أنه نتيجة ضجرها بالحياة، والذى عبرت عنه فى كتابيها "المبتسرون" و”سرطان الروح” ألقت بنفسها من الطابق العاشر سنة 1997. إسماعيل أدهم"الملحد" واحد من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل خلال حياته، انتحر إسماعيل أدهم سنة 1940 بعد إصابته بالسل، كتعجيل وحسم لصراعه مع المرض. كان أبوه ضابطًا فى الجيش التركي، وكان جدّه لأمه معلمًا للتركية بجامعة برلين، وجده لأبيه مدير ديوان المدارس المصرية فى عهد محمد علي، ولد إسماعيل بالإسكندرية، وتعلم بها وبالأستانة، وقد حصل على الدكتوراه فى الرياضيات من جامعة موسكو سنة 1931، وعين مدرسًا للرياضيات فى جامعة سان بطرسبرج. وهو من الكُتاب الذين أعلنوا إلحادهم، وكتبوا ودافعوا عنه. وله فى ذلك كتاب بعنوان "لماذا أنا ملحد؟". وقد أعلن فى هذا الكتاب أنه سعيد بإلحاده، تمامًا كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة. وغير نبوغه فى علم الرياضيات، فقد ترك إسماعيل أدهم كتبًا عميقة فى مجالات مختلفة، علم الأنساب عند العرب، وشرح للنظرية النسبية، وكتاب تحليل لشعر خليل جبران. آخرون ومن أشهر المنتحرين على المستوى العالمى الكاتب الأمريكى أرنست هيمنجواى، الذى حصل على جائزة نوبل، وكانت رواياته تجوب العالم بقوة وحيوية كبيرتين، والشاعر اللبنانى خليل حاوى، والذى صوّب إلى رأسه المسدس وأطلق على نفسه الرصاص عندما دخل الإسرائيليون إلى أرض لبنان فى حفلة غزو وهمجية غير مسبوقة عام 1982، ولم تستطع الأنظمة العربية سوى إصدار البيانات الفضفاضة والبرّاقة، ولم يقف فى وجه هذا الغزو سوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية فى الجنوب، وهناك فى العصر الحديث الشاعر أحمد عبيدة، الذى انتحر عام 1974، وكان مترجمًا وشاعرًا ومحللاً أدبيًا، وكان له حضور سياسى ملحوظ، وكان أمن الدولة يطارده دومًا، وفى المرة الأخيرة التى قبض عليه فيها انتزعوا منه كل كتاباته وترجماته، ولم يردوها إليه رغم مطالبته الملحّة لآثاره، وعندما فشل فى الحصول عليها سكب على نفسه صفيحة كيروسين، وأشعل فى نفسه النار، وضاعت كتاباته إلا قليلا.