...في ذكراك يتقاطر ماء كفنك على ذاكرتي...."غسَلت كفني بزمزم وجففته بالحرم"محمد عفيفي مطر,...ومصر الولادة والعظماء منسيون ومهملون ومردوم عليهم,والمنصة للأدعياء والأنصاف والأزلام وما اصطفى السبع ...,بين رملة الأنجب بالمنوفية ,وليمان طرة ومحرقة لاظوغلي تنثارت توقيعات قصائده,التي أعاد الشعر بها لسيرته الأولى,غضا نقيا خاليا من شوائب الحداثيين. التقيته ثلاث مرات,الثانية بأحد مقاهي وسط البلد,والثالثة في بيت السحيمي وهو يلقى بعضا من قصائده ,أما أول لقاء كتبته بتاريخي الفقير فكان بشقته المطلة على نيل مصر القديمة,هاتفته قبلها وقلت إني من الإذاعة وأريد أن أسجل معك ساعتين تكونان أرشيفا وثائقيا يحمل صوتك للأجيال القادمة,واعتذر في هدوء وأدب وقال :أنا لا أتعامل مع الإذاعة أو التلفزيون الحكوميين,فقلت:ولكني مصمم لأن هذا حقي ولا خيار في الرفض بصفتي واحدا من أشد معجبيك,ورددت على سمعه مقاطع من أشعار كتبها وهو تحت تعذيب الكهرباء في مباحث أمن الدولة..سكت الرجل وخيل إلى أن على الخط الآخر للمكالمة قلبا يبكي,وقال :تفضل في بيتي لكن دون تسجيل.,وطرت إلى اللقاء ...فوجدت عفيفي مطر بسيطا على عظمته,ورقيقا على عنفوان شعره,وهادئا على ثورته وثروته اللغوية,حكى لي عن قصيدة له يصف فيها بعضا من الأدباء الذين ألبوا عليه الحكومة وحملوا أخباره وتحركاته لأمن الدولة,وبينهم واحد يصفه النقاد بالشاعر الكبير صاحب التجربة وهو لم يكتب قصيدة منذ عشرين عاما,وثانيهمو فرج فودة الكاتب الذي تم اغتياله فيما بعد ووصفه مطر:"كانوا أربعة بصاصْين وجلاديْن-:عُتُلٌ مُنهدل السمنة/يلمع سالفه من تحت الصلعة". كانت تهمة عفيفي مطر معارضة الحرب على العراق عام واحد وتسعين,وتم التعامل معه كمجرم وانتشلوه من قريته بالمنوفية في ثلث الليل الآخر ولم يكن يلقى بالا لشيء أو يهتم بشيءكما كتب في إهداء ديوانه"احتفالية المومياء المتوحشة":"إلى طفلتي رحمة..لم أكن ألتفت لشئ سوي يديك النائمتين حول الدبدوب المحدق بعينيه اللامعتين..ولم أكن أخاف شيئا سوى يقظتك بمفاجأة الجحافل وهي تلتقطني...أما الأثر الدامي على عظام الأنف الذي لا تكفين عن السؤال حوله:فهذا هو الجواب" "قال المخنث للمخنث:إن هذا الأهبل المجنون يهرف بالكلام/فأخرس صوته بعصاك/فانفجرت برأسي الصاعقة...هل رجل وضربته تجيء من الوراء"...."الراحلون همو أم أنت مرتحلُ/يا ملكا يبكي على عتبات الشعر:/هل نغم إزميله دمه/هل طينة جبلت تفعيلة لججا,والبحر مرتجل...ها أنت تحت سياط الكهرباءوبين القيد والظلمات السود تعترف/إن الكلاب ملوك/والملوك دمى/والأرض تحت جيوش الروم تنجرف". كان عفيفي مطر يوم التقيته حزينا من واقع مصر ومن واقع النخبة ومن حال مجمع اللغة العربية,وقلت له:أستغرب جدا كيف الدكتور عبد الصبور شاهين وهو زعيم العربية في زمانه ,وكيف محمد عفيفي مطر,كلاهما لا يحمل عضوية مجمع الخالدين"تنهد وتعجب معي وقال الإعلام والشللية هي الواقع والحاكم بأمره في كل شيء.. رحم الله شاعرا لم تنتبه له الآلة الإعلامية الصاخبة التي ترفع أقزاما وتضع عمالقة خارج المشهد,رحم الله عفيفي مطر الذي تآكلت كبده وتليفت كملايين المصريين,ولما عرضوا عليه العلاج على نفقة الدولة رفض,وقال:أنا فلاح أعالج نفسي بعرقي ,ودفني من مالي الخاص الذي أظنه حلالا طيبا. [email protected]