لقد نادي الرئيس الأمريكى بوش قبل وإبان غزوه للعراق بضرورة الإصلاح الشامل فى المنطقة العربية علي أن يكون اصلاحا سياسيا فى ظاهره وفكريا وثقافيا فى باطنه...وشغل ذلك الأمر الكثير من المفكرين والكتاب والصحفيين العرب ليس لأن أمريكا ستحقق لهم أحلامهم على أرض الواقع بمجرد تصريح أو بيان غاضب تجاه أى نظام وانما لأنها طرقت بابا قد يكون البعض عجزعن طرقه...لم يكن بإمكانهم طرح أسئلة جريئة عن حال الاسلاميين العرب وأسباب أزمتهم أو المطالبة بديمقراطية حقيقية لا تكون ذات مقاس معين...وكما هو ملاحظ فان الأمريكيين تخلوا عن الإصلاح والمطالبة بالتنمية المستديمة التى تعتبر بمثابة البنية الأساسية لتغيير شامل الا أن هناك أصواتا عربية واسلامية ما تزال تطالب بالاصلاح وتحتكم إلى الديمقراطية الحقة باعتبارها الطريق الوحيد للتغيير...فهي ثقافة تقوم على النسبية والتعددية فى العقائد وفى الثقافة وفى السياسة كما أنها تعتبر بمثابة مساحة للاختلاف الجريء الذى لا ينطفئ نوره بإشارة أو ايماءة من زعيم أو قائد...اختلاف مرتكزا على النقد البناء الذى يطال كل شيء بدون تحيز وبمكيال واحد... إن الادارة الامريكية احتلت العراق ظلما أمام أعين العالم وضحت بالآلاف من مرتزقتها بين قتلى وجرحى بالاضافة الي اهدار الأموال الطائلة بهدف وحيد كما يكرر ذلك الرئيس بوش الا وهو اقامة ديمقراطية نموذجية فى منطقة الشرق الاوسط...فهل الذى حدث فى انتخابات العراق الأخيرة هل كان تجسيدا للديمقراطية الحقة؟!! أم كان تطبيقا لديمقراطية بالمفهوم الأمريكي حيث كان التزوير واسعا ومفضوحا لطائفة ضد الاخري...لذلك أرتضت الادارة الأمريكية علي تلك النتائج للانتخابات العراقية علي العكس كان الموقف بالنسبة للانتخابات الفلسطينية...والدليل علي ذلك تلك الضجة التى تقيمها الادارة الامريكية حول فوز حركة حماس فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي تعتبر انتخابات ديمقراطية حقيقية بشهادة الجميع... ظلت واشنطن شهور وسنوات تروج لمفاهيم الديمقراطية فى المنطقة االعربية الاسلامية ..وعندما طبقها بالبعض بالمنطقة وظهرت نتائجها التي لم تكن علي هوي الامريكيين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد...لقد هدد الكونجرس الأمريكى علي سبيل المثال السلطة الفلسطينية من أنها تخاطر بفقدان الدعم والمساعدة المالية الأمريكية إذا سمحت لحماس بالمشاركة فى الحكم...كما اعتبر المجلس الأمريكي أن مشاركة حماس فى الحكومة الفلسطينية سوف يؤثر سلبا علي العلاقات الفلسطينيةالأمريكية وسوف تدمر أى أمل فى السلام والأمن لإسرائيل...والعالم يري الآن قيادات حماس وقد أثبتوا للعالم أنهم عكس ما قاله الرئيس بوش كما ذكرته وكالات الأنباء واصفا حماس بأنها حركة إرهابية!! تحضر لمستقبل مليء بالاضطهاد والبؤس!!... مما لا شك فيه أن الفوز الكاسح الذي حققته حركة حماس فى الانتخابات الفلسطينية قد أثار حفيظة الأمريكيين القلقة على مستقبل الوجود الإسرائيلي والمتخوفة على وجودها نفسه فى ظل زحف الإسلاميين نحو السلطة والذى يجتاح دول المنطقة...ويرجع ذلك كما ذكره المراقبون والمحللون الي أن حماس تعتبر جناح الإخوان المسلمين فى فلسطين خاصة بعد دخول 88 عضوا من الاخوان المسلمين الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب...كما تعد حماس امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين التى انتشرت فى فلسطين منذ أكثر من ستين عاما وكان لها دورا بارزا فى حروبها...الأمر الذي ما لم يأت على الهوى الأمريكى خاصة بعد فوزها بمقاعد أكثر مما كان متوقعا لها...ويمكن تلخيص موقف الامريكيين من فوز حماس بمقولة أحد النواب الأمريكيين التي ذكر فيها "إن حماس يجب أن تحرم من المشاركة فى الحكومة" لأنها كما يزعم أنها "منظمة إرهابية ترفض الاعتراف بوجود إسرائيل وتحتقر الديمقراطية"...كيف ذلك والديمقراطية الحقيقية هي التي أتبعت في الانتخابات الفلسطينية...وذلك يؤكد أن الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي هي التي تأتي بنتائج تتوائم مع مخططاتهم... ان الموقف الأمريكى الرافض لنتائج الانتخابات الفلسطينية المحلية فى جميع مراحلها المختلفة وخاصة المرحلة الأخيرة وكذلك الانتخابات التشريعبة الأخيرة والتى حازت حماس فيها على تقدم ملحوظ يؤكد أن الرؤية الامريكية للديمقراطية تتحدد بنتائجها وبأسماء الفائزين وليس باتباع الأسلوب الديمقراطى فى حدّ ذاته ولا بدور الديمقراطية فى اخراج المنطقة مما هي فيه...كما كرر الرئيس الامريكى بوش خلال خطاباته المتتالية حول العراق أن قوات بلاده لن تنسحب إلا اذا أقامت نظاما ديمقراطيا!! فى العراق يقف إلى جانب أمريكا فى الحرب على الارهاب الذي لم يتم تعريفه دوليا حتي الآن فالديمقراطية التي تنشدها الادارة الأمريكية هنا عنوان للتبعية أو هى مشروطة بها ينتفى معناها وتبطل نتائجها إذا حادت عنها وهذا ما ينطبق على نتائج الانتخابات المحلية والنيابية في أي بلد من بلاد المنطقة سواء كانت مصرية أو عراقية أو فلسطينية... ان الادارة الأمريكية تريد ديمقراطية على المقاس وتسعي لانتخابات نزيهة بشرط أن ينتصر فيها الموالون لها والحافظون لمصالحها ولو على حساب بلادهم!!...لم يكن الرفض الامريكى مفاجئا بل بنفس درجة توقع ما جاءت به نتائج الانتخابات الفلسطينية...والغريب أن استطلاعات الرأى والدراسات التى تجريها المراكز الامريكية المتخصصة فى الشأن العربي الاسلامي تؤكد دائما أن اقامة أى انتخابات نزيهة وديمقراطية حقا فى أى بلد عربي أو اسلامي ستأتي بأحزاب معارضة للادارة الأمريكية... هكذ يري علي الساحة أنه حين تأتي ديمقراطية شعبية سليمة بفئة المواطنين المختارين من قبل جماهيرهم ينقلب ضدها القوى الغربية التي تسمي نفسها العالم الحر والأمين علي تراث الحرية والديمقراطية...إن غضبة الأوروأمريكيين علي المفاجأة الفلسطينية وطريقتها الشعبية المباشرة في ممارسة الديمقراطية تكشف أقنعة النفاق الغربي على وجه الاجمال تجاه الرأي العام العربي والاسلامي الذي لا يمل الرئيس بوش من محاولة خداعه عبثاً بمصطلاحات الدمقرطة وأحلامها الكاذبة...إذ يقدم الزلزال التشريعي الفلسطيني دليلا وبرهانا الي ميادين الحراك العالمي حول محاولة الليبرالية الجديدة لاحتكار قيادة المرحلة الراهنة من المتغيرات الإجتماعية والسياسية إنطلاقاً من المنطقة العربية الاسلامية ...فالديمقراطية المسموح بها أمريكياً في هذه القارة الشرق أوسطية هي العملية التشريعية ظاهريا التي تأتي إلي الحكم فقط بحلفاء بل بأعوان الأجهزة الأمريكية من الرافعين لأعلام الليبرالية والمرددين لعبارات الحرية والعدالة...في الوقت الذي تُنتزع من مجتمعاتهم مكتسباتهم التي نالوها بالنضال والتضحيه تحت وطأة الانفتاح والعولمة المتوحشة... كلية الهندسة جامعة أسيوط[email protected]