انتقد حقوقيون مصريون تعديلات أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مرسوم بقانون، تشدد العقوبات على متلقي الأموال من منظمات أو دول أجنبية، بهدف الإضرار بالأمن والمصلحة القومية، معتبرين أن القانون به "عبارات لاتهامات مطاطة، تصل عقوبتها إلى الإعدام". في الوقت الذي قال فيه خبير قانوني إن التعديل في محله لتشديد وتغليظ العقوبات في ظل ما تعاني منه البلاد من مستهدفيها. وكان السيسي أصدر مرسومًا بقانون لتعديل المادة 78 من قانون العقوبات المصري، ونشر في الجريدة الرسمية (تنشر القرارات الرسمية والحكومية) يوم الأحد الماضي، وسع فيها دائرة المعاقبين بتلقي أموال من جهات أجنبية، وشدد فيها العقوبات إلى المؤبد والإعدام، فضلا عن زيادة الغرامة. محمد منيب، رئيس المركز الأفريقي للديمقراطية ودراسات حقوق الإنسان انتقد تشديد العقوبات إلى الإعدام، وقال إن "عقوبة الإعدام لا تكون إلا في جرائم النفس والقتل العمد بشروط، وهي لا تتوافر في تلقي الأموال من الخارج". وتساءل في تصريح إلى وكالة "الأناضول": "كيف يمكن إعمال هذه العقوبة في غير محلها، لمجرد تلقي أموال من الخارج؟". وحول المستهدفين من هذا التشديد، قال منيب: "هذا مرهون بالتطبيق، وننتظر إعلان السبب من هذا التشديد"، مشيرا إلى أنه "يتوقع أن تتم مراجعة هذا الأمر في أول دور انعقاد لمجلس النواب (يتوقع أن يكون بداية العام المقبل)". واتفق معه أحمد مفرح مسؤول ملف مصر بمؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان (مقرها جنيف)، حين قال إن "القانون وسّع جهات تمويل الجرائم ومصطلح الإضرار، وتأثيم الإخلال بالأمن إلى جانب مصلحة الأمن القومي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه فى العمل علي تأثيم عمل منظمات المجتمع المدني". وفي بيان له اليوم، قال مفرح إن "التعديلات تزيد من مخاوف تجريم المجتمع المدني، وإخضاعها للسلطات المطلقة للأجهزة الأمنية". وأوضح أن النص الجديد الذي أضاف الأشخاص الاعتبارية والطبيعية والمنظمات المحلية والأجنبية والجهات الأخرى التي لا تتبع دولا أجنبية، إلى الجهات المجرم تلقي الأموال منها، يدخل بشكل مباشر في هذا النطاق كل الأعمال التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في مصر. واستنكر مفرح، وجود بعض "المصطلحات الفضفاضة" التي تضمنها التعديل، والتي لا تتضمن تعريفا محددا مما يشكل خطورة على الحريات المجتمعية بالتعرض لها بتكييف الوقائع على حسب هوى السلطات الأمنية"، حسب نص البيان. أما أحمد أسامة رئيس مركز الكرمة للتنمية الإنسانية فقال إن التعديلات تفتح الباب أمام تأويل الأحداث والمآلات ضاربا مثالا بتضمين التعديلات حملة (ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها)"، وهو ما يجعل "المصلحة القومية للبلاد" يجعل تصنيف التهمة متوقفًا على تقدير سلطة التحقيق، وهى التي توجه الاتهام. وأوضح في بيان له، أنه يجب أن تكون المواد القانونية واضحة ومحددة، مطالبًا بإيجاد نصوص استرشادية لجهات التحقيق لتحديد جرائم الأمن القومي. محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائي وعميد كلية الحقوق جامعة القاهرة، قال إن "تعديل القانون جاء في محله لتشديد وتغليظ العقوبات في ظل ما تعاني من البلاد من مستهدفيها". وأوضح كبيش أن القانون غلظ العقوبة بشكل كبير، لردع أي نية لهؤلاء للإضرار بالبلاد. والنص الجديد للقانون، المنشور في الجريدة الرسمية، يجرم أن يطلب الشخص "لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام"، بإضافة "الأشخاص الاعتبارية والطبيعية والمنظمات المحلية والأجنبية والجهات الأخرى التي لا تتبع دولا أجنبية". الإضرار بأمن الوطن أيضا لم يعد مقتصرا وفق النص الجديد على مصطلح "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية" الذي كانت المادة تؤثمه قبل تعديلها، فبعد التعديل الأخير أصبحت تؤثم في البند ذاته "المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام" مما يعني توسيع رقعة تجريم الأفعال أيضا. كما وسع النص الأدوات التي يمكن لمتلقي التمويل استخدامها لتحقيق أهدافه، فأصبحت غير ممكنة الحصر، بالنص على "الأموال السائلة والمنقولة والعتاد والآلات والأسلحة والذخائر وما في حكمها" ثم ختمت هذه الجملة بمصطلح "أو أشياء أخرى" لتشمل كل الأدوات الممكنة بما في ذلك غير العتاد الحربي أو الأسلحة. أما العقوبات، فتم تغيير عقوبة هذه الجريمة من "الأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد عما أعطى أو وعد به المتهم"، لتصبح "السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه". وفي حالة إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة أو ذا صفة نيابية عامة أو إذا ارتكب الجريمة في زمن الحرب أو تنفيذاً لغرض إرهابي، تمت إضافة عقوبة الإعدام، مع إمكانية المعاقبة بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه أيضا".